samedi 10 mai 2025

الخديعة العظمى.. الدعاة على أبواب جهنم


 

الخديعة العظمى.. الدعاة على أبواب جهنم!


محمد إلهامي - مجلة أنصار النبي ﷺ - مايو 2025م


ما إن أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتواه الأخيرة حتى انبعثت أبواقٌ آثمة مجرمة تنهش في الاتحاد وعلمائه وترميهم بأنواع الزور والبهتان، وبعض هذه الأبواق لبث الثوب الشرعي واستعمل في مضادة فتوى الاتحاد لسان أهل العلم وألفاظهم، فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون!


وما كانت فتوى الاتحاد العالمي شيئا جديدا، بل لقد يُقال إن الفتوى تأخرت كثيرا، فلا تزال الحرب مشتعلة في غزة منذ عام ونصف العام، بل هي جارية لا على أصول الشرع ومعهود قول العلماء فحسب، بل هي امتداد طبيعي لفتاوى المؤسسات العلمية الرسمية ذاتها قبل سنوات. وللتدليل على هذا فقد خصصنا قسم الراحلين من عدد المجلة هذا لفتاوى الأزهر الشريف في ذات الشأن، وفيه ترى أن فتوى الاتحاد العالمي لا تخالف ألبتة فتاوى علماء مشيخة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، بل إن فتوى الاتحاد في بعض وجوهها أقل لهجة وصرامة من فتاوى هؤلاء السابقين.


من رأى انتفاضة أبواق السوء هذه، أو من يسميهم شيخنا القرضاوي رحمه الله "علماء السلطة وعملاء الشرطة"، يحسب أن الاتحاد قد جاء بشيء جديد مستنكر، وما كانت فتوى الاتحاد إلا أنها تعلن وجوب الجهاد على الدول الإسلامية في فلسطين، ووجوب إمداد المجاهدين بالمال والسلاح اللازميْن لهم في معركتهم الإسلامية الخالصة، وفي الامتناع عن التعاون مع الصهاينة وإمدادهم بالمال أو السلاح أو الطعام والشراب.. وذلك كما ترى أقل الواجب الذي على المسلمين لإخوانهم المذبوحين.


ولستُ في هذا المقام بوارد التعليق على هذه الفتوى ونصرتها، وإنما أريد أن أبذل للقارئ شيئا من باب التاريخ يزيد في وضوح الحالة التي نحن فيها، والتي توضح لماذا انتفضت أبواق السلاطين فزعا لهذه الفتوى الطبيعية.. فأعرني سمعك وبصرك وعقلك وقلبك!


(1)


رسم لنا النبي مراحل تاريخ الأمة في خمسة مراحل كبرى، كما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة»1


والمُلك العضوض، أي: يصيب الرعية فيه عسْفٌ وظُلْم، كأنَّهم يُعَضُّون فيه عَضًّا2. وأما الملك الجبري، فهو القهر والعتو والجبر، من الجبروتية والعظموتية والعلُوّ، إذ يغلب الظلمُ والفساد3


وهذا الحديث، كغيره من أحاديث الفتن، قد وقع الخلاف بين العلماء في تفسيره وإيقاعه على المراحل التاريخية للأمة، ولكن يكاد أن يتفق العلماء المعاصرون على أن:


- المُلك العضوض هو الذي يمتد من بداية الدولة الأموية مع عهد معاوية رضي الله عنه، وحتى نهاية الدولة العثمانية وسقوط الخلافة


- الحُكم –أو المُلك- الجبري هو الذي تعانيه الأمة بعد سقوط الخلافة، وحتى الآن.

ولهذا يستبشر المعاصرون بأن المرحلة القادمة هي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة.


ويُساعد على صحة هذا الفهم، ما جاء في كثير من الروايات الأخرى، من أوصاف إضافية لفترة الملك العضوض والحُكْم الجبري، والروايات وإن كانت لا تخلو من ضعف على جهة الرواية، إلا أن انطباق وصفها على أوضاع هذه الأحقاب يحمل على تصديقها، فمن ذلك مثلا:


1. حديث أبي عبيدة بن الجراح أنه ﷺ قال: «إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنا خلافة ورحمة، وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عنوة وجبرية وفسادا في الأرض، يستحلون الفروج والخمور والحرير»4


ففي هذا الحديث المراحل الأربعة متطابقة مع حديث حذيفة، وزاد في التفصيل على ذلك أن مرحلة المُلك العضوض خيرٌ من مرحلة الحكم الجبري الذي وصفه النبي بـ «العنوة والجبرية والفساد في الأرض»، كما يزداد فيه الابتعاد عن الشريعة أو تركها، حتى يصير الزنا والخمر والحرير حلالا، إما بالاستحلال: أي أن تكون مباحة ومُقَنَّنة (وهذا هو نبذ الشريعة والانخلاع منها)، أو أن يكون الاستحلال كناية عن كثرة الممارسة (وهذا هو الاستخفاف بالشريعة والاستهانة بأحكامها)، وهذا الوصف يدل في نفسه على أن مرحلة الملك العضوض لم تكن على هذه الصفة، كما يدل على أن أسوأ المراحل التي يمر بها تاريخ الأمة هو مرحلة الجبرية.


وهذا الأمر سيزيد تفصيلا في الحديث التالي، وهو: 2. حديث ابن عباس أنه ﷺ قال: «أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون5 عليه تكادم الحُمُر، فعليكم بالجهاد». وفي رواية: «ثم جبروتا صلعاء6 يتكادمون عليها تكادم الحمير». وفي رواية: «ثم جبروت صلعاء، ليس لأحد فيها متعلق، تضرب فيها الرقاب، وتقطع فيها الأيدى والأرجل، وتؤخذ فيها الأموال»7


ويُروى هذا الحديث موقوفًا على عُمَر كما عند أبي نعيم والحاكم، ولكن وقفه أو رفعه لا يؤثر هنا، فإن الحديث من علم الغيب الذي لا يرويه الصحابي إلا على جهة سماعه من النبي ﷺ، فليس هو من باب الرأي.


وفي هذا الحديث نرى أن مرحلة الملك العضوض وُصِفت بالرحمة، بينما وُصِفت مرحلة الملك الجبري –أو: الحكم الجبري- بتشبيه فظيع، وهو الجبروت الواضح الظاهر الذي تُضرب فيه الرقاب وتُقَطَّع فيه الأيدي والأرجل، وتؤخذ فيه الأموال؛ أي أنه عصر قتل وترويع وإذلال.


3. حديث جابر الصدفي عن أبيه عن جده أنه ﷺ قال: «سيكون بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا»8


وهذا الحديث يسرد ذات الترتيب، مع تفصيل زائد في مرحلة الأمراء والملوك، فكأنه ﷺ يشير بها إلى عصر الفتنة، حيث استقل بعض الأمراء بما تحت أيديهم، كما فعل معاوية بالشام ثم بمصر، وكما فعل مروان بن الحكم بالشام أيام عبد الله بن الزبير، ثم اجتمع الأمر مرة أخرى للملوك. ومن بعد الملوك الجبابرة، الذين هم أصحاب المُلك الجبري، ثم يأتي بعدهم المهدي الذي يملأ الأرض عدلا، فتكون خلافته هي الخلافة الأخرى التي هي على منهاج النبوة.


وهذه الأحاديث الأربعة هي وصفٌ عجيب ودقيق لأحوال عصرنا، عصر الجبرية، والفارق بينه وبين عصر الملك العضوض، الذي كان عصر رحمة وإن شابه فساد وانحراف عن الخلافة الراشدة!


وتتشابه هذه الأحاديث مع أحاديث أخرى صحيحة، لكن لم يرد فيها وصف المُلْك العضوض أو الحكم الجبري، من أهمها: حديث حذيفة بن اليمان، يقول: «كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»9


فهنا يظهر التناظر واضحا بين هذا الحديث، وبين حديث الخلافة والملك العضوض والجبرية:


- فالخير الأول هو النبوة والخلافة الراشدة


- والشر الأول هو عصر الفتنة بين الصحابة


- ثم يأتي الملك العضوض وهو الخير الذي فيه دَخَن، حيث لم يلزم الملوك سنة النبي ﷺ بحذافيرها، لكنهم ظلوا قائمين بالحق في أبواب أخرى، ولذا وُصِفوا بهذا الوصف «يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر»


- ثم يأتي بعدهم الشر الكبير، وهو المُلك الجبري أو الحُكم الجبري حيث وُصِفوا في هذا الحديث بأنهم «دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها»، وهم أيضا: «من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا». وهذا الوصف الأخير لا يُعرف أنه تحقق في تاريخ المسلمين إلا في هذا العصر منذ ضعف الخلافة العثمانية وسقوطها.


ومما يستفاد من هذه الأحاديث:


1. أن الملك العضوض وقع فيه نقص وترك لبعض الدين، وشابته مظالم وانحرافات، ولكنه لا يزال في الجملة مُلْكًا فيه دين ورحمة.


2. أن مرحلة المُلك الجبري أو الحكم الجبري هي التي يحصل فيها الخروج عن الدين والانخلاع منه، فيكون عصر ترويع وإذلال واستحلال للمحرمات وفرقة شديدة، حتى إن زعماءَه هم دعاة على أبواب جهنم.

وبالتأمل في نصوص الشريعة ووقائع التاريخ نستنتج الفارق بين هذه المراحل على هذا النحو:


الخلافة الراشدة تحقق فيها الرُكْنان الكبيران: تحكيم الشريعة، واختيار الأمة للأمير.

والملك العضوض تحقق فيه ركنٌ وتخلف ركنٌ؛ فقد بقي حكم الشريعة، ولم تعد الأمر تختار أميرها.

وأما المُلك الجبري فهو الذي انهدّ فيه الركنان؛ فلا بقي حكم الشريعة، ولا اختارت الأمة أميرها.

وقد كان معظم التاريخ الإسلامي واقعا في زمن الملك العضوض، وشهدت الأمة في تلك الحقبة مراحل من قوتها وتفوقها السياسي والحضاري وازدهارها العلمي والأدبي. بينما جاءت مرحلة الحكم الجبري بالذل والاستضعاف والتأخر في سائر وجوه الحياة10


(2)


ومن وقائع التاريخ يسعنا أن نحدد بداية التحول الكبير من مرحلة الملك العضوض إلى مرحلة الملك الجبري في اللحظة التي سيطر فيها محمد علي باشا على الحُكْم في مصر، فتلك هي البذرة التي تمددت وتوسعت في ظل الاحتلال الأجنبي ونفوذه حتى سادت على الأمة كلها عند لحظة سقوط الخلافة العثمانية، ولا نزال فيها حتى الآن.


فنحن إذن نعيش مرحلة، قد وصف النبي ﷺ حكامها بهذا الوصف الجامع، كما في حديث حذيفة في الصحيحيْن، "دعاة على أبواب جهنم"، هذا مع أنهم "من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا".


وأريدك أيها القارئ الكريم أن تتوقف معي طويلا عند هذا الوصف الذي هو أصل أصول المخادعة والخطورة في واقعنا المعاصر.. أن القوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا!!


هنا مركز الخداع الضخم الكبير، الخداع الذي يشل العقول ويُخَدِّر التفكير ويشوش الصورة ويطمس الحقيقة.. القوم في ظاهرهم مسلمين، عرب، وطنيين.. يتكلمون بلسان المسلمين العرب الوطنيين.. من رآهم وسمعهم لم يشك في أنهم من أبناء هذه الأمة وأنهم ينطقون عن غاياتها وآمالها ويعبرون عن مصالحها ويرعون شؤونها وأحوالها!!!


هذا هو الخداع الضخم الذي يجعل النقاش حول هؤلاء طويلا ومريرا ومتفرعا وكثيرا.. فليست أحوالهم الظاهرة دليلا على حقيقتهم.. فتأمل في داعية يدعوك إلى جهنم، ولكنه يكلمك عن جهنم فيجعلها جنة موعودة وفردوسا منشودا، ولئن كنتَ تراها نارًا وجهنما فإنما هي فترة محدودة، وإن ما فيها من العذاب والعنت والمشقة إنما هو في سبيل المصلحة وطنية، وإنما هي تضحية محمودة، وإنما هو أمرٌ تفعله لأجل الأجيال القادمة، وضريبة تدفعها في طريق التقدم والنهضة، وعمل سيخلده لك التاريخ!


نعم، أخي القارئ الكريم.. قف واستعمل خيالك كله، في تصور رجل داعية يقف على باب جهنم يدعو إليها، وتصوَّر: ماذا كان سيقول في ترويج بضاعته وجذب الناس إليها؟!


ولا بأس أن تتوقف عن القراءة ثم اسرح بخيالك.. ولكم وددتُ أن تكون لي موهبة السيناريست الروائي أو الشاعر ذي الخيال الجامح، لفعلتُها ويسَّرت الأمر على نفسي وعليك!


(3)


على أني مطمئنٌ أنه مهما بلغ الخيال بك وبي وبالروائي المنشود والشاعر المفقود فلن نبلغ وهدة الواقع الذي نحن فيه..


ها أنت ترى في الواقع نفسه كيف انتفضت أجهزة الأمن الأردنية لاعتقال بعض الشباب الذين نهضوا لمحاولة مساعدة إخوانهم في الضفة الغربية وتهريب السلاح لهم، فاتهمتهم بالإرهاب والسعي في تخريب الوطن، وسجنتهم ونشرت ما قالت إنه اعترافاتهم لتمهد بذلك حملة على كل شيء فيه دعمٌ للمقاومة في فلسطين.. وكل ذلك باسم الوطن!


ومع أن جماعة الإخوان المسلمين سارعت بالتبرؤ من هؤلاء المتهمين وأنهم إنما فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم وأن الجماعة لم تكن على علم به ولا حتى تؤيده، إلا أن السلطة الأردنية أصدرت قراراتها بحل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها ومحاكمة من يروج لأفكارها!


ونستطيع أن نسرد طويلا طويلا طويلا طويلا مجهود النظام الأردني ودوره المهم في إقامة إسرائيل أولا، ثم في حمايتها ثانيا، ثم في تسليم الأرض لها ثالثا، ثم في قتل ومطاردة من يعمل على مقاومتها رابعا!


وهل من دليل أجلى ولا أوضح من أن يكتب نتنياهو بنفسه في مذكراته المنشورة المعلنة أن "بقاء المملكة الأردنية هو بمثابة مصلحة حيوية لإسرائيل، ولو اقتضى الأمر فسنتدخل بجيوشنا لحمايتها من السقوط"؟!!


قطعت جهيزة قول كل خطيب..


وقل مثل ذلك عن غيره من الأنظمة، لا سيما النظام المصري، الذي يتولى الحماية من الجنوب، ويقوم بدوره في تكبيل الشعب المصري الهادر الهائل عن إنقاذ إخوانه أو دعمهم.. وللنظام المصري مثل ما للأردني من التاريخ الأسود من التسبب في إقامة إسرائيل وحمايتها وتسليم الأرض لها وقتل من يفكر في مقاومتها!!


إن حقيقة الأزمة التي نعيشها الآن، والتي تكبل الجميع عن التفكير السليم وعن التوجيه السليم، هو في تلك الخدعة الكبيرة التي هي "من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا".. هذا ما يجعل الأكثرين بدايةً من العلماء أصحاب الفتاوى وحتى العامي الذي يجلس على المقهي يستمع الأخبار غير قادر على فهم الواقع، ولئن فهمه فهو غير قادر على التعامل معه كما هو، إذ الخديعة العظمى تعيق فهم الكثيرين عن تصور ما يقول وعن الاستجابة له!


فلئن أنعم الله عليه بالفهم وبالنجاة من الخديعة.. فدورك أن تسعى في سحب غيرك منها، قبل أن يستجيب لهذا الداعية القائم على جهنم، فيقذفه فيها!!


1 أحمد (18430)، والبزار (2796)، وحسنه شعيب الأرناؤوط، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5).

2 أبو عبيد الهروي، الغريبين: غريبي القرآن والحديث، 4/1291؛ ابن الجوزي، غريب الحديث، 2/104؛ الزمخشري، الفائق في غريب الحديث والأثر، 2/443؛ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/253.

3 الملا القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 8/3376؛ عبد الحق الدهلوي، لمعات التنقيح شرح مشكاة المصابيح، 8/576.

4 الطيالسي، (225)؛ البيهقي، السنن، (17073)؛ أبو يعلى، المسند، (873)؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، (8961)؛ وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3055) وعلته عند الألباني اختلاط أحد رواته، وبقية رجاله ثقات، وأقرَّ أن متن الحديث –دون زيادة منكرة لم نوردها في المتن- صحيح، لشواهد صحيحة، وهذه الشواهد الصحيحة هي حديث الباب، وحديث البخاري «يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف».

5 يتكادمون تكادم الحمير: كدم الحمار كدما أي عضَّ بأدنى فمه، والحديث يُصَوِّر حال جدب ومجاعة حتى تبحث الحمير في الأرض عن أصل النبات فتعضّ عليه بأدنى أفواهها، فكأن قبض أولئك الحكام على الحكم كقبض الحمير بملء أفواهها على أصل النبات بأشد ما تملك، في حال الجدب والفقر والشدة.

6 صلعاء: أي ظاهرة بارزة.

7 الطبراني، المعجم الكبير، (11138) وهذا لفظه؛ نعيم بن حماد، الفتن، (236)؛ الحاكم (8459)، وسكت عنه الذهبي؛ والهيثمي، مجمع الزوائد، (8965)، وقال: رجاله ثقات؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3271).

8 الهيثمي، مجمع الزوائد، (8965)، وقال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم؛ وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3722). وهذا الحديث ضعفه شديد، إذ فيه عدد من المجاهيل. ولكنه –كما ترى- منسجمٌ مع التاريخ ومع بقية الأحاديث الصحيحة.

9 البخاري (3411)؛ مسلم (1847).

10 لمزيد من التفصيل راجع كتابي: خلاصة تاريخ الإسلام، المجلد الثالث.

samedi 29 mars 2025

غزة تنتصر والعالم الإسلامي ينتصر معها ولا تلتفت للمثبطين

 

من نتائج طوفان الأقصى

العالم كله يهتم بالقضية الفلسطينيية التي ظننا أنها ماتت بل ودُفِنت منذ زمن

تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين ومنهم أطفال ونساء ومحكوم عليهم بالمؤبدات

انتشار الوعي، خصوصا في الغرب الذي فهم جوهر القضية وصار يسعى لقطع كل علاقة مع الاحتلال.. والتفاصيل تعرفونها

أصبح واضحا لدى الجميع كذب الصهاينة وأعوانهم : زعموا أن لهم أخلاق وأنهم ديمقراطيون وأن جيرانهم يكيدون لهم.. وكانوا يُصدَّقون

ظهر كذب الشعارات الرنانة من حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحرية التعبير

ظهرت هشاشة جيش الاحتلال واعترف مسؤولوه بإخفاقهم ؛ فأُقيل بعضهم واستقال آخرون

انقسم المجتمع داخل الأراضي المحتلة، فالمظاهرات لا تتوقف وكثير منهم يطالب بسقوط الحكومة بل إن مسؤوليهم يتخوفون من حرب أهلية

انهار اقتصاد العدو

بدأت الهجرة العكسية


الكل يعلم أن غزة كانت محاصرة لمدة طويلة. فكان مصير أهلها الموت البطيء دون الحديث عمن كان يقتلهم الصهاينة هنا وهناك دون أن تحدث ضجة

أما عن الدمار الذي لحق بغزة فهو من فعل الصهاينة ولا يجوز أن نحمل المظلوم مسؤولية ما حدث

من مات في غزة نحسبهم شهداء عند ربهم في أعلى الدرجات


ولا ينبغي أن ننسى أبدا أن هدف طوفان الأقصى الأول هو المحافظة على المسجد الأقصى من الهدم. تعرفون قصة البقرات الخمس


إن مشكلة فلسطين ليست في المقاومة بل فيمن خذلها وخانها. ويوم ينتفض المظلوم من أجل حقه يلومه الخونة والخاذلون : ماذا تفعل؟ هل جُننت؟ ألا تعلم أنهم أقوياء ولا طاقة لنا بهم؟؟؟

ألم يكن من الواجب على كل الدول العربية والإسلامية أن تساند فلسطين وتقف معها؟ هذا واجب ديني وأخلاقي

لقد جربنا التنازل ثم التنازل فلم نحصد إلا التقهقر والخزي : معاهدات كامب ديفيد، أسلو، التطبيع.. والعدو يسرق أراضي الفلسطينيين، يغزو لبنان وسوريا ويهدد الباقين


وأختم بأهم شيء : النصر من عند الله وحده. ولم يكن النصر قط حليف المسلمين لأن جيشهم أقوى بل يأتي النصر حين نكون صادقين مطيعين لله لا نشرك به شيئا. والله يقول الحق : وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ 55 سورة النور

samedi 12 octobre 2024

خمسة أعراض واضحة تنبئ بنهاية إسرائيل

    د. أحمد أبو الهيجاء

    لم يتغير الواقع الإستراتيجي لإسرائيل بعد عام من الحرب، فما فعلته لم يكن سوى مزيد من الهروب نحو الأمام، يحقق لها بعض الإنجازات التكتيكية لكنه لا يقدم أي إجابة للمجتمع الإسرائيلي عن المستقبل والأسئلة المصيرية التي استجلبها السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. فقد دخلت إسرائيل الحرب على وقع صراع داخلي عميق حول هوية الدولة، وفقدان الثقة بين الجيش والمجتمع، وتآكل الردع. وقد أنهت عامًا من الحرب وقد أغرقها تطرفها في حرب متعددة الجبهات.

    ومع الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي اعتُبر أكبر تحدٍ وجودي لإسرائيل منذ قيامها، اعتبر المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "أن المرة الوحيدة التي واجهت فيها إسرائيل تهديدًا وجوديًا مماثلًا كانت في حربها عام 1948، والثانية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول". تجد إسرائيل نفسها غير قادرة على الحسم والردع.

    لم يتغير الواقع الإستراتيجي لإسرائيل بعد عام من الحرب، فما فعلته لم يكن سوى مزيد من الهروب نحو الأمام، يحقق لها بعض الإنجازات التكتيكية لكنه لا يقدم أي إجابة للمجتمع الإسرائيلي عن المستقبل والأسئلة المصيرية التي استجلبها السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. فقد دخلت إسرائيل الحرب على وقع صراع داخلي عميق حول هوية الدولة، وفقدان الثقة بين الجيش والمجتمع، وتآكل الردع. وقد أنهت عامًا من الحرب وقد أغرقها تطرفها في حرب متعددة الجبهات.

    ومع الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي اعتُبر أكبر تحدٍ وجودي لإسرائيل منذ قيامها، اعتبر المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "أن المرة الوحيدة التي واجهت فيها إسرائيل تهديدًا وجوديًا مماثلًا كانت في حربها عام 1948، والثانية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول". تجد إسرائيل نفسها غير قادرة على الحسم والردع.

    حاولت إسرائيل تحويل المأزق الإستراتيجي الذي تسبب به طوفان الأقصى إلى فرصة تاريخية للقضاء على أعدائها وإغراق حلفائها معها، لكنها فشلت في ذلك. فانهارت مفاهيم التفوق والردع والحسم، والحروب في أرض العدو، لتغرق إسرائيل في حرب استنزاف طويلة لا يبدو أن لها نهاية وشيكة.

    وهذا هو الفخ الإستراتيجي الذي تحلم أي مقاومة عاقلة أن توقع عدوها فيه، وقد وقعت إسرائيل فيه بالفعل. يؤكد ذلك الجنرال إسحاق بريك "إن كافة المسارات التي اختارتها القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل تقود البلاد إلى منحدر زلق، وقد تصل قريبًا إلى نقطة اللاعودة". وهو الفخ الإستراتيجي الذي تحدث عنه المفكر الروسي ألكسندر نازاراف الذي اعتبر أن قدرة المقاومة على تحويل الحرب إلى حرب بطيئة ومحدودة ولو على مستوى أعلى هو الذي سيؤدي للنصر الإستراتيجي.

    لقد حوّل ذلك الحياة في المجتمع الإسرائيلي إلى واقع لا يُطاق، فأكثر من ثلث الإسرائيليين يفكرون في الهجرة، والمقتدرون يمارسونها فعليًا. يمكن ملاحظة الحركة النشطة لشراء الإسرائيليين شققًا وعقارات بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في برشلونة، إيطاليا، المجر، واليونان، وانتقالهم للعيش فيها أو اعتبارها مكانًا بديلًا في حال انهيار الأوضاع.

    كذلك تُعد المؤشرات الاقتصادية في إسرائيل مقلقة للغاية؛ بسبب تداعيات الحرب، التي يفاقمها أيضًا وجود وزير مالية هو بتسلئيل سموتريتش، المتهم من قبل خبراء الاقتصاد والمال في إسرائيل بأنه شخص عديم خبرة في المجال الاقتصادي.

    بدأ التباطؤ في الاقتصاد الإسرائيلي يظهر وسط تحذيرات شديدة من الغرق في فخ الديون، خاصة مع الإفراط في الإنفاق على التسلح، الذي يعتبر الأعلى في العالم. فمتوسط الإنفاق الدفاعي مقارنة بالناتج الإجمالي عالميًا هو 341 دولارًا، لكنه وصل في إسرائيل حاليًا إلى 3000 دولار.

    كذلك، وفقًا لصحيفة "ذا كونفيرزيشن" (The Conversation)، فإن اقتصاد إسرائيل يشهد أشد تباطؤ بين أغنى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). إضافة إلى تخفيض وكالتَي فيتش وموديز التصنيف الائتماني لإسرائيل لدرجتَين حتى الآن، وهو أمر غير مسبوق في تاريخها.

    كذلك، انخفض الاستثمار في التكنولوجيا الفائقة الذي يشكل 20% من اقتصادها، وتوقف قطاع السياحة بالكامل الذي يشكل ثلث الاقتصاد الإسرائيلي. كما تعطل ميناء إيلات بالكامل، وحدث تشويش في سلاسل التوريد، بالإضافة إلى تعطل قطاعي البناء والزراعة، والتشويش في قطاع الأعمال الذي يحدثه تجنيد الاحتياط الذي تم بشكل غير مسبوق.

    في السياق الداخلي الإسرائيلي، تعتبر إسرائيل نفسها قد تجاوزت عقدة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في جوانب، وأخفقت في جوانب أخرى. أما ما تعتبره إنجازًا لها فهو تمكنها من استعادة زمام المبادرة وتجاوز الصدمة والمبادرة إلى الهجوم، وما تعتبره تفكيكًا لمعظم قدرات المقاومة في غزة، ومنع جبهة الضفة من إسناد غزة بشكل فاعل، والمبادرة إلى اغتيالات وهجمات غير مسبوقة في لبنان وسوريا وإيران، حيث ترى أنها استعادت الردع أمام ما تطلق عليه محور الشر، خاصة في الاختراقات والاغتيالات الأخيرة.

    لكن في المقابل، تعترف إسرائيل بأنها وبعد عام من الحرب ما زالت تواجه ذات التحديات التي بدأت بها الحرب، وهي: الفشل في تحرير الأسرى في غزة، وعدم القدرة على إعادة المستوطنين في الشمال والجنوب، وعدم القدرة على تفكيك حكم حماس المدني في غزة، وفشل إسرائيل في كسب التضامن الدولي وقرارات الهيئات الأممية، والمحاكم الجنائية والعدل الدولية.

    أما داخليًا وبتتبع المجتمع الإسرائيلي من الداخل؛ من يسار ويمين وسط ويمين متطرف ويمين ديني لا يلحظ وجود خلاف على الاستمرار في الحرب في كل الجبهات، ولكن الخلاف فقط بين من يريد ومن لا يريد أن يكون نتنياهو هو قائد هذه الحرب.

    لا يمكن وصف ما يمر به المجتمع الإسرائيلي هذه الأيام على أنه جنوح نحو التطرف، فقد تجاوزت إسرائيل في نظرتها للصراع مفهوم التطرف إلى مفهوم التوحش، إذ تعتقد أنها بمزيد من التوحش يمكن أن تزيد في عمر الدولة، وهي العقيدة الوحيدة التي تحكم النخبة في إسرائيل.

    فإسرائيل لا تحترم حتى من وقّع معها على اتفاقيات سلام. يعبر نتنياهو عن ذلك بصراحة في كتابه "مكان تحت الشمس" بأن العرب لم يجلسوا ليوقعوا اتفاقيات سلام مع إسرائيل إلا بعد أن فرضت إسرائيل قوتها عليهم، وسبق لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر أن عبّر عن ذلك حين اعتبر أن العرب لا يجلسون على الطاولة إلا بالقوة. يفسر ذلك أحد أسباب رفض إسرائيل عقد صفقة مع المقاومة في غزة، حتى لو كانت شروطها معقولة لإسرائيل؛ لأن عقدها بحد ذاته يعني نهاية هذه النظرية في السيطرة على الشرق الأوسط.

    بالعودة إلى حرب لبنان 1982، فقد أوصى جنرالات الجيش الإسرائيلي القيادة السياسية عام 1983 بضرورة عقد صفقة الانسحاب من لبنان لاستنفاد الأهداف، ولكن ذلك تأخر ثمانية عشر عامًا؛ بسبب عقدة "الانسحاب ضعف"، وأن ذلك سيضعف صورة إسرائيل أمام العرب والولايات المتحدة.

    ويبدو أن هذه العقدة متلازمة وتعيد نفسها تاريخيًا مع غزة. وهو ما عبّر عنه رئيس أركان جيش الاحتلال السابق مردخاي غور إبان حرب لبنان 1982 بأن إسرائيل تغرق في الاعتبار التكتيكي والنغمة الوطنية، ورد عليه حينها رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن بأن حرب لبنان حينها "حرب اللاخيار بالنسبة لحياة مواطني إسرائيل والشعب اليهودي"، وكانت النتيجة مأساوية بعد ذلك بعقدين بانسحاب مهين لإسرائيل.

    ويبدو أن هذا السجال يتكرر اليوم وبنفس الطريقة بين الجيش والمستوى السياسي في إسرائيل دون تعلم من تجارب التاريخ ويسير لنفس النتيجة.

    تتمثل التغيرات داخل المجتمع الإسرائيلي بمزيد من تغلغل الصهيونية الدينية داخل المجتمع. وبعد أن تلقى اليمين الصهيوني ضربة قوية بشقيه الديني والعلماني في بداية الحرب، سرعان ما لملم أوراقه وأعاد إحكام سيطرته على المشهد الداخلي، وكأن المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة إجماع أن ما فشل به التطرف يُعالج بمزيد من التطرف.

    وحتى وإسرائيل تخوض أكثر معاركها مصيرية منذ تأسيسها، يتم إعادة هندسة المجتمع الإسرائيلي داخليًا باتجاه الانقلاب الشامل نحو تمكين الصهيونية الدينية من الجيش والأمن والاقتصاد، فكل من استقال أو تقاعد أو تم تغييبه أو يتم العمل على تغييبه في مراكز صنع القرار في إسرائيل، خاصة في الجيش، يتم استبداله بأحد أبناء هذه المدرسة الأشد تطرفًا في إسرائيل.

    يعني ذلك أننا قد نكون مع نهاية هذه الحرب أمام مشهد انقلاب داخلي في إسرائيل قد يكون وقعه أشد من نتيجة الحرب ذاتها على مستقبلها.

    تشهد إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول هجرة عكسية متصاعدة، تتكتم الدوائر الإسرائيلية على الأعداد فيها، لكن اللافت أن السمة الغالبة من هؤلاء المهاجرين هم من العلمانيين من النخبة الاقتصادية ورجال أعمال الهايتك والعلماء، وهو هروب مزدوج الشعور بين غياب الثقة بمستقبل الكيان، وعدم القدرة على التعايش مع الانقلاب الداخلي الذي تقوده الصهيونية الدينية المتحالفة مع النسخة المحدثة من أقصى اليمين العلماني.

    وعلى الرغم من كل ما أحدثه الجيش الإسرائيلي من دمار مهول وتوحش غير مسبوق، فإنه لم ينجح حتى الآن في ترميم الصدمة الوجودية التي أحدثها طوفان الأقصى، ومن أهم معالمها انهيار الثقة بين الجيش والشعب. فأصبح الجيش الذي كان فوق الانتقاد في المجتمع الإسرائيلي مثار هجوم كبير، سواء من قواعد المجتمع المفتقد للأمن، أو من دوائر اليمين الصهيوني الذي يسعى لتغيير هويته بالكامل.

    يضاعف متاعب هذا الجيش تململ المجتمع من تجنيد أبنائه في حرب طويلة، والهروب المتصاعد من الخدمة، والنزاع على تجنيد "الحريديم" المتدينين الذين يشكلون 13% من المجتمع. لقد انتهت قداسة الجيش في المجتمع الإسرائيلي.

    عززت معركة طوفان الأقصى والحرب في الشمال من انكماش إسرائيل نحو المركز، وهو أحد أهم نقاط الضعف الجغرافي في إسرائيل، حيث يعيش 60% من الإسرائيليين في أقل من 500 كيلومتر مربع، فيما يُطلق عليه منطقة المركز التي تضم تل أبيب الكبرى حتى حيفا وما جاورها. ومع هروب الإسرائيليين من مستوطنات الغلاف مع غزة والشمال مع لبنان، ازداد سكان المركز. يُعتبر ذلك مهددًا جغرافيًا إستراتيجيًا لإسرائيل، فاقمته الحرب الأخيرة، وله مدلولات خطيرة في مفاهيم الأمن القومي.

    كسرت إسرائيل في هذه الحرب كل ما كانت تتباهى به من "ممارسات ديمقراطية" في مجتمعها، فانتهت بروباغندا "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بعد أن فرضت قيودًا صارمة وإجراءات بوليسية مشابهة لتلك الموجودة في الدول الدكتاتورية، ليس على الفلسطينيين في الضفة والقدس فقط، ولكن على مجتمعها ومن يحمل جنسيتها بمن فيهم فلسطينيو الداخل.

    ملاحقات واسعة على خلفية التعبير عن الرأي، لدرجة أن فلسطينيين من الداخل تم اعتقالهم لكتابة آية "إنا لله وإنا إليه راجعون" شبهة بأنها تعاطف مع غزة، كما حرَمت بتعميم رسمي آيات من القرآن الكريم في مساجد الداخل، ومنها "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا".

    وكذلك فقد فُصل كثيرون من عملهم لمجرد التعاطف مع المدنيين في غزة، واستُبيحت بإجراءات الطوارئ كل الخصوصيات والحريات الفردية والجماعية ليهود وعرب. دخلت العلاقة بين فلسطينيي 48 واليهود في علاقة جديدة من اللاعودة.

    كما انكشف زيف حرية الإعلام في إسرائيل، الذي وصفه مراقبون بأنه تحول إلى "كلب حراسة للمستويين السياسي والأمني"، وبأنه أصبح من أكثر الإعلام في العالم تضمنًا لمحتوى الحقد والكراهية وخطاب الإبادة.

    كما عمل وزير الأمن الداخلي بن غفير على تسليح المجتمع، مصدرًا نحو 400 ألف رخصة سلاح؛ بذريعة الحماية من العمليات الفدائية، ما أدى لعسكرة المجتمع، وهو أمر له آثاره المستقبلية الكارثية على المجتمع الإسرائيلي.

    يقال في علم النفس أن كثرة ترديد الكلمة من شخص ما دليل على الهواجس التي تسكنه تجاهها. ولسنا بحاجة إلى كثير من الاستدلال على كثرة استخدام نتنياهو وقادة إسرائيل حتى بعد عام على السابع من أكتوبر/ تشرين الأول مصطلحات: "الوجودية"، و"بقاء إسرائيل"، و"عدم زوالها".

    يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من "الانتهاك العاطفي"، والتي ستكون آثارها كارثيّة عليه بعد الحرب أكثر من الحرب ذاتها. وهي ستنتج قيادات ذات مستويات غير مسبوقة من التطرُّف لسنوات طويلة قادمة، قد تحمل معها بداية نهاية إسرائيل بشكلها الحالي كدولة ومُجتمع.

    https://aja.ws/7y7kjo