samedi 12 octobre 2024

خمسة أعراض واضحة تنبئ بنهاية إسرائيل

    د. أحمد أبو الهيجاء

    لم يتغير الواقع الإستراتيجي لإسرائيل بعد عام من الحرب، فما فعلته لم يكن سوى مزيد من الهروب نحو الأمام، يحقق لها بعض الإنجازات التكتيكية لكنه لا يقدم أي إجابة للمجتمع الإسرائيلي عن المستقبل والأسئلة المصيرية التي استجلبها السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. فقد دخلت إسرائيل الحرب على وقع صراع داخلي عميق حول هوية الدولة، وفقدان الثقة بين الجيش والمجتمع، وتآكل الردع. وقد أنهت عامًا من الحرب وقد أغرقها تطرفها في حرب متعددة الجبهات.

    ومع الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي اعتُبر أكبر تحدٍ وجودي لإسرائيل منذ قيامها، اعتبر المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "أن المرة الوحيدة التي واجهت فيها إسرائيل تهديدًا وجوديًا مماثلًا كانت في حربها عام 1948، والثانية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول". تجد إسرائيل نفسها غير قادرة على الحسم والردع.

    لم يتغير الواقع الإستراتيجي لإسرائيل بعد عام من الحرب، فما فعلته لم يكن سوى مزيد من الهروب نحو الأمام، يحقق لها بعض الإنجازات التكتيكية لكنه لا يقدم أي إجابة للمجتمع الإسرائيلي عن المستقبل والأسئلة المصيرية التي استجلبها السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. فقد دخلت إسرائيل الحرب على وقع صراع داخلي عميق حول هوية الدولة، وفقدان الثقة بين الجيش والمجتمع، وتآكل الردع. وقد أنهت عامًا من الحرب وقد أغرقها تطرفها في حرب متعددة الجبهات.

    ومع الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي اعتُبر أكبر تحدٍ وجودي لإسرائيل منذ قيامها، اعتبر المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "أن المرة الوحيدة التي واجهت فيها إسرائيل تهديدًا وجوديًا مماثلًا كانت في حربها عام 1948، والثانية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول". تجد إسرائيل نفسها غير قادرة على الحسم والردع.

    حاولت إسرائيل تحويل المأزق الإستراتيجي الذي تسبب به طوفان الأقصى إلى فرصة تاريخية للقضاء على أعدائها وإغراق حلفائها معها، لكنها فشلت في ذلك. فانهارت مفاهيم التفوق والردع والحسم، والحروب في أرض العدو، لتغرق إسرائيل في حرب استنزاف طويلة لا يبدو أن لها نهاية وشيكة.

    وهذا هو الفخ الإستراتيجي الذي تحلم أي مقاومة عاقلة أن توقع عدوها فيه، وقد وقعت إسرائيل فيه بالفعل. يؤكد ذلك الجنرال إسحاق بريك "إن كافة المسارات التي اختارتها القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل تقود البلاد إلى منحدر زلق، وقد تصل قريبًا إلى نقطة اللاعودة". وهو الفخ الإستراتيجي الذي تحدث عنه المفكر الروسي ألكسندر نازاراف الذي اعتبر أن قدرة المقاومة على تحويل الحرب إلى حرب بطيئة ومحدودة ولو على مستوى أعلى هو الذي سيؤدي للنصر الإستراتيجي.

    لقد حوّل ذلك الحياة في المجتمع الإسرائيلي إلى واقع لا يُطاق، فأكثر من ثلث الإسرائيليين يفكرون في الهجرة، والمقتدرون يمارسونها فعليًا. يمكن ملاحظة الحركة النشطة لشراء الإسرائيليين شققًا وعقارات بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في برشلونة، إيطاليا، المجر، واليونان، وانتقالهم للعيش فيها أو اعتبارها مكانًا بديلًا في حال انهيار الأوضاع.

    كذلك تُعد المؤشرات الاقتصادية في إسرائيل مقلقة للغاية؛ بسبب تداعيات الحرب، التي يفاقمها أيضًا وجود وزير مالية هو بتسلئيل سموتريتش، المتهم من قبل خبراء الاقتصاد والمال في إسرائيل بأنه شخص عديم خبرة في المجال الاقتصادي.

    بدأ التباطؤ في الاقتصاد الإسرائيلي يظهر وسط تحذيرات شديدة من الغرق في فخ الديون، خاصة مع الإفراط في الإنفاق على التسلح، الذي يعتبر الأعلى في العالم. فمتوسط الإنفاق الدفاعي مقارنة بالناتج الإجمالي عالميًا هو 341 دولارًا، لكنه وصل في إسرائيل حاليًا إلى 3000 دولار.

    كذلك، وفقًا لصحيفة "ذا كونفيرزيشن" (The Conversation)، فإن اقتصاد إسرائيل يشهد أشد تباطؤ بين أغنى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). إضافة إلى تخفيض وكالتَي فيتش وموديز التصنيف الائتماني لإسرائيل لدرجتَين حتى الآن، وهو أمر غير مسبوق في تاريخها.

    كذلك، انخفض الاستثمار في التكنولوجيا الفائقة الذي يشكل 20% من اقتصادها، وتوقف قطاع السياحة بالكامل الذي يشكل ثلث الاقتصاد الإسرائيلي. كما تعطل ميناء إيلات بالكامل، وحدث تشويش في سلاسل التوريد، بالإضافة إلى تعطل قطاعي البناء والزراعة، والتشويش في قطاع الأعمال الذي يحدثه تجنيد الاحتياط الذي تم بشكل غير مسبوق.

    في السياق الداخلي الإسرائيلي، تعتبر إسرائيل نفسها قد تجاوزت عقدة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في جوانب، وأخفقت في جوانب أخرى. أما ما تعتبره إنجازًا لها فهو تمكنها من استعادة زمام المبادرة وتجاوز الصدمة والمبادرة إلى الهجوم، وما تعتبره تفكيكًا لمعظم قدرات المقاومة في غزة، ومنع جبهة الضفة من إسناد غزة بشكل فاعل، والمبادرة إلى اغتيالات وهجمات غير مسبوقة في لبنان وسوريا وإيران، حيث ترى أنها استعادت الردع أمام ما تطلق عليه محور الشر، خاصة في الاختراقات والاغتيالات الأخيرة.

    لكن في المقابل، تعترف إسرائيل بأنها وبعد عام من الحرب ما زالت تواجه ذات التحديات التي بدأت بها الحرب، وهي: الفشل في تحرير الأسرى في غزة، وعدم القدرة على إعادة المستوطنين في الشمال والجنوب، وعدم القدرة على تفكيك حكم حماس المدني في غزة، وفشل إسرائيل في كسب التضامن الدولي وقرارات الهيئات الأممية، والمحاكم الجنائية والعدل الدولية.

    أما داخليًا وبتتبع المجتمع الإسرائيلي من الداخل؛ من يسار ويمين وسط ويمين متطرف ويمين ديني لا يلحظ وجود خلاف على الاستمرار في الحرب في كل الجبهات، ولكن الخلاف فقط بين من يريد ومن لا يريد أن يكون نتنياهو هو قائد هذه الحرب.

    لا يمكن وصف ما يمر به المجتمع الإسرائيلي هذه الأيام على أنه جنوح نحو التطرف، فقد تجاوزت إسرائيل في نظرتها للصراع مفهوم التطرف إلى مفهوم التوحش، إذ تعتقد أنها بمزيد من التوحش يمكن أن تزيد في عمر الدولة، وهي العقيدة الوحيدة التي تحكم النخبة في إسرائيل.

    فإسرائيل لا تحترم حتى من وقّع معها على اتفاقيات سلام. يعبر نتنياهو عن ذلك بصراحة في كتابه "مكان تحت الشمس" بأن العرب لم يجلسوا ليوقعوا اتفاقيات سلام مع إسرائيل إلا بعد أن فرضت إسرائيل قوتها عليهم، وسبق لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر أن عبّر عن ذلك حين اعتبر أن العرب لا يجلسون على الطاولة إلا بالقوة. يفسر ذلك أحد أسباب رفض إسرائيل عقد صفقة مع المقاومة في غزة، حتى لو كانت شروطها معقولة لإسرائيل؛ لأن عقدها بحد ذاته يعني نهاية هذه النظرية في السيطرة على الشرق الأوسط.

    بالعودة إلى حرب لبنان 1982، فقد أوصى جنرالات الجيش الإسرائيلي القيادة السياسية عام 1983 بضرورة عقد صفقة الانسحاب من لبنان لاستنفاد الأهداف، ولكن ذلك تأخر ثمانية عشر عامًا؛ بسبب عقدة "الانسحاب ضعف"، وأن ذلك سيضعف صورة إسرائيل أمام العرب والولايات المتحدة.

    ويبدو أن هذه العقدة متلازمة وتعيد نفسها تاريخيًا مع غزة. وهو ما عبّر عنه رئيس أركان جيش الاحتلال السابق مردخاي غور إبان حرب لبنان 1982 بأن إسرائيل تغرق في الاعتبار التكتيكي والنغمة الوطنية، ورد عليه حينها رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن بأن حرب لبنان حينها "حرب اللاخيار بالنسبة لحياة مواطني إسرائيل والشعب اليهودي"، وكانت النتيجة مأساوية بعد ذلك بعقدين بانسحاب مهين لإسرائيل.

    ويبدو أن هذا السجال يتكرر اليوم وبنفس الطريقة بين الجيش والمستوى السياسي في إسرائيل دون تعلم من تجارب التاريخ ويسير لنفس النتيجة.

    تتمثل التغيرات داخل المجتمع الإسرائيلي بمزيد من تغلغل الصهيونية الدينية داخل المجتمع. وبعد أن تلقى اليمين الصهيوني ضربة قوية بشقيه الديني والعلماني في بداية الحرب، سرعان ما لملم أوراقه وأعاد إحكام سيطرته على المشهد الداخلي، وكأن المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة إجماع أن ما فشل به التطرف يُعالج بمزيد من التطرف.

    وحتى وإسرائيل تخوض أكثر معاركها مصيرية منذ تأسيسها، يتم إعادة هندسة المجتمع الإسرائيلي داخليًا باتجاه الانقلاب الشامل نحو تمكين الصهيونية الدينية من الجيش والأمن والاقتصاد، فكل من استقال أو تقاعد أو تم تغييبه أو يتم العمل على تغييبه في مراكز صنع القرار في إسرائيل، خاصة في الجيش، يتم استبداله بأحد أبناء هذه المدرسة الأشد تطرفًا في إسرائيل.

    يعني ذلك أننا قد نكون مع نهاية هذه الحرب أمام مشهد انقلاب داخلي في إسرائيل قد يكون وقعه أشد من نتيجة الحرب ذاتها على مستقبلها.

    تشهد إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول هجرة عكسية متصاعدة، تتكتم الدوائر الإسرائيلية على الأعداد فيها، لكن اللافت أن السمة الغالبة من هؤلاء المهاجرين هم من العلمانيين من النخبة الاقتصادية ورجال أعمال الهايتك والعلماء، وهو هروب مزدوج الشعور بين غياب الثقة بمستقبل الكيان، وعدم القدرة على التعايش مع الانقلاب الداخلي الذي تقوده الصهيونية الدينية المتحالفة مع النسخة المحدثة من أقصى اليمين العلماني.

    وعلى الرغم من كل ما أحدثه الجيش الإسرائيلي من دمار مهول وتوحش غير مسبوق، فإنه لم ينجح حتى الآن في ترميم الصدمة الوجودية التي أحدثها طوفان الأقصى، ومن أهم معالمها انهيار الثقة بين الجيش والشعب. فأصبح الجيش الذي كان فوق الانتقاد في المجتمع الإسرائيلي مثار هجوم كبير، سواء من قواعد المجتمع المفتقد للأمن، أو من دوائر اليمين الصهيوني الذي يسعى لتغيير هويته بالكامل.

    يضاعف متاعب هذا الجيش تململ المجتمع من تجنيد أبنائه في حرب طويلة، والهروب المتصاعد من الخدمة، والنزاع على تجنيد "الحريديم" المتدينين الذين يشكلون 13% من المجتمع. لقد انتهت قداسة الجيش في المجتمع الإسرائيلي.

    عززت معركة طوفان الأقصى والحرب في الشمال من انكماش إسرائيل نحو المركز، وهو أحد أهم نقاط الضعف الجغرافي في إسرائيل، حيث يعيش 60% من الإسرائيليين في أقل من 500 كيلومتر مربع، فيما يُطلق عليه منطقة المركز التي تضم تل أبيب الكبرى حتى حيفا وما جاورها. ومع هروب الإسرائيليين من مستوطنات الغلاف مع غزة والشمال مع لبنان، ازداد سكان المركز. يُعتبر ذلك مهددًا جغرافيًا إستراتيجيًا لإسرائيل، فاقمته الحرب الأخيرة، وله مدلولات خطيرة في مفاهيم الأمن القومي.

    كسرت إسرائيل في هذه الحرب كل ما كانت تتباهى به من "ممارسات ديمقراطية" في مجتمعها، فانتهت بروباغندا "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بعد أن فرضت قيودًا صارمة وإجراءات بوليسية مشابهة لتلك الموجودة في الدول الدكتاتورية، ليس على الفلسطينيين في الضفة والقدس فقط، ولكن على مجتمعها ومن يحمل جنسيتها بمن فيهم فلسطينيو الداخل.

    ملاحقات واسعة على خلفية التعبير عن الرأي، لدرجة أن فلسطينيين من الداخل تم اعتقالهم لكتابة آية "إنا لله وإنا إليه راجعون" شبهة بأنها تعاطف مع غزة، كما حرَمت بتعميم رسمي آيات من القرآن الكريم في مساجد الداخل، ومنها "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا".

    وكذلك فقد فُصل كثيرون من عملهم لمجرد التعاطف مع المدنيين في غزة، واستُبيحت بإجراءات الطوارئ كل الخصوصيات والحريات الفردية والجماعية ليهود وعرب. دخلت العلاقة بين فلسطينيي 48 واليهود في علاقة جديدة من اللاعودة.

    كما انكشف زيف حرية الإعلام في إسرائيل، الذي وصفه مراقبون بأنه تحول إلى "كلب حراسة للمستويين السياسي والأمني"، وبأنه أصبح من أكثر الإعلام في العالم تضمنًا لمحتوى الحقد والكراهية وخطاب الإبادة.

    كما عمل وزير الأمن الداخلي بن غفير على تسليح المجتمع، مصدرًا نحو 400 ألف رخصة سلاح؛ بذريعة الحماية من العمليات الفدائية، ما أدى لعسكرة المجتمع، وهو أمر له آثاره المستقبلية الكارثية على المجتمع الإسرائيلي.

    يقال في علم النفس أن كثرة ترديد الكلمة من شخص ما دليل على الهواجس التي تسكنه تجاهها. ولسنا بحاجة إلى كثير من الاستدلال على كثرة استخدام نتنياهو وقادة إسرائيل حتى بعد عام على السابع من أكتوبر/ تشرين الأول مصطلحات: "الوجودية"، و"بقاء إسرائيل"، و"عدم زوالها".

    يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من "الانتهاك العاطفي"، والتي ستكون آثارها كارثيّة عليه بعد الحرب أكثر من الحرب ذاتها. وهي ستنتج قيادات ذات مستويات غير مسبوقة من التطرُّف لسنوات طويلة قادمة، قد تحمل معها بداية نهاية إسرائيل بشكلها الحالي كدولة ومُجتمع.

    https://aja.ws/7y7kjo

dimanche 18 février 2024

المقاومة تحت حصار عربي

 



الخلوق الأديب: وائل قنديل


يبيت رئيس الموساد الإسرائيلي، أو أحد نوابه، في القاهرة ليلةَ كلّ أسبوع تقريبًا منذ بدء العدوان الصهيوني على غزّة، إذ يكاد لا يمرّ أسبوع من دون أن تقرأ خبرًا عن وفد أمني إسرائيلي في مصر، للتباحث بشأن هدن وصفقات تديرها القاهرة والدوحة، وتريدها تل أبيب مشروطة بإنهاء المقاومة الفلسطينية، مبدأً، وعقيدةً، ومشروعًا، وحقًا لأيّ شعبٍ تحت احتلال.


في كلّ جولات التفاوض على مدى الأشهر الأربعة الماضية لم يصدُر عن طرف عربي واحد من المنفردين بعملية الوساطة ما يقرّ بهذا الحقّ أو يدعمه، إن على المستوى الدبلوماسي أو اللوجيستي، إذ تتبنّى المقاربات طوال الوقت القضية باعتبارها، فقط إدخال مساعدات للشعب الذي يُباد، ووقف القتال والالتفات إلى إصلاح قاطرة التطبيع المعطّلة، الأمر الذي تعكسه الضغوط العربية على قيادات المقاومة لكي تتخلّى عن فكرة أنّها مقاومة، وترضخ للمعروض، أميركيًا، من مشاريع الهدن.


أخيراً، اشتدّت هذه الضغوط على المقاومة من أكثر من جهة، إذ بعد أن أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أنّ مصر وجّهت تحذيراً إلى حركة حماس، بأنّ عليها التوّصل إلى صفقة تبادل (أسرى) في غضون أسبوعين، وإلّا فإنّ إسرائيل مستمرّة في عمليتها البرّية في القطاع، جاء الدور على محمود عبّاس، الذي يكمن في حالة توّثب للقفز على توسيع سلطته لتشمل غزّة، فيردّد التحذير المصري نفسه مع اختلافاتٍ طفيفة في الصياغة: "نطالب حركة حماس بسرعة إنجاز صفقة الأسرى، لتجنيب شعبنا الفلسطيني ويلات وقوع كارثة أخرى لا تُحمد عقباها، ولا تقلّ خطورة عن نكبة عام 1948، ولتجنّب هجوم الاحتلال على مدينة رفح، الأمر الذي سيؤدّي إلى وقوع آلاف الضحايا والمعاناة والتشرّد لأبناء شعبنا". هكذا يقول عبّاس.


مسألة الربط بين بقاء المقاومة واستمرار عذابات الشعب الفلسطيني عملٌ غير أخلاقي أو إنساني بالمرّة، فضلًا عن أنّها بالتأكيد نقيصة وطنية تجعل من صاحبها بوقاً للدعاية الصهيونية التي تلقي بمنشوراتها مع القنابل الفتاكة على الشعب الفلسطيني في غزّة تحرّضه على مقاومته، وتقول له إذا أردت النجاة تخلّص من مقاومتك أو أبلغ عن أعضائها، ووقتها سوف تتمتّع بالحياة في كنف إسرائيل الطيّبة، تحت سلطةٍ أخرى تختارها تل أبيب، وتعينها لتدير شؤونك بالوكالة عنها.


هذا ما تريدُه واشنطن وتتبناه ما يمكن تسميتها "دول الطوق الجديدة" من الدول العربية التي لا تطوّق إسرائيل جغرافيًا كما كان في السابق، مصر والأردن وسورية ولبنان، بل محور عربي جديد يحاصر المقاومة الفلسطينية ويضيّق الخناق عليها حتى ترضخ وتفسح الطريق للشرق الأوسط الجديد، الذي يظل محور حركة الإدارة الأميركية طوال الوقت، منذ السبعينيات من القرن الماضي وحتى مرحلة جو بايدن الذي أعلنت إدارته عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة، مباشرًة، أنّها تنظر في مشروع كيان جديد في المنطقة يكون بديلًا لجامعة الدول العربية، يضم الدول العربية وإسرائيل، تحت المظلّة الأميركية، وهو المشروع المقدّم من كل من روبرت دانين، الباحث بمشروع مستقبل الدبلوماسية في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية، التابع لمدرسة كيندي في جامعة هارفارد، وأيضًا مسؤول سابق بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي.. وماهسا روهي الباحثة بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع القومي الأميركي.


باختصار، يؤمن العرب الرسميون بضرورة وإمكانية إنهاء وجود مقاومة فلسطينية، كما يؤمنون بيقين أشد بأنّه لا غنى عن وجود إسرائيل في المنطقة، واستحالة إنهاء وجودها، ولذا لديهم دائمًا أوراق ضغط يستخدمونها مع المقاومة، فيما يدّعون أمام الإرهاب الإسرائيلي المتعجرف أنّ لا حول لهم ولا قوة. والحال كذلك، أكرّر أنّه على الشعب الفلسطيني أن يسلك في هذه اللحظة البائسة وكأنّه في العام 1948 عقب النكبة الأولى، ويبدأ في صياغة مشروعه الجديد للتحرّر، مستبعدًا فرضية وجود نظام رسمي عربي يمكن أن يكون داعمًا لقضيته على أيّ وجه من الوجوه، فما نحن بصدده أكثر كارثية من كلّ النكبات السابقة.

lundi 1 janvier 2024

فلسطين والحكومات العربية.. حكاية خيانة لا تنتهي


 بقلم صلاح برهوم 19/2/2018


لا أدري لماذا نحن الفلسطينيين لا نتعلم من أخطائنا، ونستمر في ارتكاب الأخطاء نفسها، وبالطريقة نفسها، ونحصل على النتيجة ذاتها، وأعظم خطأ نرتكبه نحن الفلسطينيين وما زلنا نرتكبه إلى اليوم بإصرار عجيب وغريب بالرغم من المآسي الكبيرة التي عانيناها بسببه، هو اعتمادنا على الحكومات العربية طوال مراحل القضية الفلسطينية، وهو خطأ ما زلنا إلى اليوم نمارسه بكل أريحية، وكأننا لا نعرف مدى المشاكل والمآسي التي سنتعرض لها بالاعتماد على حكومات لا تعترف بالمبادئ أو القيم أو القضايا الوطنية، بل تعترف بشيء واحد الحفاظ على السلطة وكرسي العرش مهما كان السبيل إلى ذلك، حتى لو دمرت شعوبها وحرقت أوطانها في سبيل ذلك، فكيف نتطلع إليها في تحرير فلسطين ودحر اليهود من أرضنا.


لقد استمعنا إلى هذه الحكومات في كل مراحل القضية الفلسطينية فماذا كانت النتيجة؟ كارثة بكل المقاييس، ضاعت أرضنا، وشردنا في أصقاع الدنيا، وسقط منا الشهداء والجرحى، وفقدنا كل شيء، وأصبحنا مشتتين في كل أرجاء العالم، لا نستطيع العودة إلى وطننا أو البقاء في منافينا التي ترفض بكل قوة أن نبقى فيها.


لقد بدأت بوادر خيانة الحكومات العربية مبكرا جدا ولكن نحن تغاضينا عنها ودفنا رؤوسنا في الرمال، متجاهلين الحقيقة الواضحة أمام أعيننا، وكانت البادرة الأولى لهذه الخيانة قيام الحكومات العربية بإرسال برقيات إلى اللجنة العربية العليا التي كانت تدير الثورة الفلسطينية الكبرى عام1936 بإنهاء الإضراب الفلسطيني الذي استمر ستة أشهر رفضا للسياسات البريطانية، واستجاب الفلسطينيون لهذه البرقيات، وأنهوا الإضراب الأطول في التاريخ الحديث، فماذا حصل؟ أرسلت بريطانيا لجنة بيل الملكية التي أصدرت توصياتها بتقسيم فلسطين، مما أدى إلى اندلاع شرارة الثورة من جديد ورفضت هذه التوصيات، وكانت هذه النتيجة بسبب سماعنا للحكومات العربية.


خيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن

خيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن

لم نستوعب الدرس الذي تلقيناه في الثورة الكبرى عام 1936، واستمررنا في الاستماع إلى الحكومات العربية حتى جاءت لحظة الحقيقة في عام 1948، حيث كنا نأمل أن تنصرنا الجيوش العربية ويتمكنوا من دحر اليهود، ولكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما فالجيوش العربية وحكوماتها كانت تتحكم فيها القوى الاستعمارية ولم تقم بأي استعداد جدي لدخول الحرب ضد اليهود، كما لم تقدم أي دعم بالسلاح والذخيرة والأموال للفلسطينيين من التبرعات التي كانت تتلقاها الجامعة العربية، مما دفع الشهيد عبد القادر الحسيني إلى الصراخ في وجه أحد المسؤولين العرب "أنتم خائنون، سيكتب التاريخ أنكم أضعتم فلسطين"، وللأسف الشديد حصل كما قال الشهيد عبد القادر الحسيني الذي استشهد بعد يومين من كلامه هذا في معركة القسطل.


وعندما دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، قامت بسحب الأسلحة من الفلسطينيين في فعل عجيب غريب، في الوقت الذي كان يجب على هذه الجيوش أن تسلح الفلسطينيين من أجل الدفاع عن أراضيهم، وهكذا ضاعت فلسطين وانتهى أمرنا إلى الشتات والتيه في أصقاع الأرض، لتبدأ مأساتنا في مخيمات اللاجئين التي ما زلنا فيها إلى يومنا هذا. وخيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن التي أعدتها أميركا والتي تساعدها في تنفيذها العديد من الحكومات العربية، التي بدأت بوادرها بإعلان أميركا القدس عاصمة لإسرائيل.


لذا علينا نحن الفلسطينيين أن نحارب هذه الصفقة بكل ما أوتينا من قوة، ولا نستمع إلى كلام الحكام العرب الذين يدسون السم في العسل، فتاريخ خيانتهم لنا طويل جدا، وواجبنا يحتم علينا أن نفعل كل شيء من أجل ألا ينسى العالم قضيتنا حتى نحرر أرضنا ونعود إلى وطننا العزيز، وإن أول خطوات تحقيق هذا الأمر مسيرة العودة الكبرى التي ستضع العالم الحر أمام ضميره، إما بالوقوف مع المظلومين أو التماهي مع الظالمين، لذا يجب أن يكون الحشد على مستوى الحدث، فالأخطار التي تحيط بالقضية الفلسطينية كبيرة، وهي على مفترق طرق هام، فإما أن تبقى وإما أن تختفي ويختفي معها وجود الشعب الفلسطيني.


من مدونات الجزيرة