dimanche 18 février 2024

المقاومة تحت حصار عربي

 



الخلوق الأديب: وائل قنديل


يبيت رئيس الموساد الإسرائيلي، أو أحد نوابه، في القاهرة ليلةَ كلّ أسبوع تقريبًا منذ بدء العدوان الصهيوني على غزّة، إذ يكاد لا يمرّ أسبوع من دون أن تقرأ خبرًا عن وفد أمني إسرائيلي في مصر، للتباحث بشأن هدن وصفقات تديرها القاهرة والدوحة، وتريدها تل أبيب مشروطة بإنهاء المقاومة الفلسطينية، مبدأً، وعقيدةً، ومشروعًا، وحقًا لأيّ شعبٍ تحت احتلال.


في كلّ جولات التفاوض على مدى الأشهر الأربعة الماضية لم يصدُر عن طرف عربي واحد من المنفردين بعملية الوساطة ما يقرّ بهذا الحقّ أو يدعمه، إن على المستوى الدبلوماسي أو اللوجيستي، إذ تتبنّى المقاربات طوال الوقت القضية باعتبارها، فقط إدخال مساعدات للشعب الذي يُباد، ووقف القتال والالتفات إلى إصلاح قاطرة التطبيع المعطّلة، الأمر الذي تعكسه الضغوط العربية على قيادات المقاومة لكي تتخلّى عن فكرة أنّها مقاومة، وترضخ للمعروض، أميركيًا، من مشاريع الهدن.


أخيراً، اشتدّت هذه الضغوط على المقاومة من أكثر من جهة، إذ بعد أن أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أنّ مصر وجّهت تحذيراً إلى حركة حماس، بأنّ عليها التوّصل إلى صفقة تبادل (أسرى) في غضون أسبوعين، وإلّا فإنّ إسرائيل مستمرّة في عمليتها البرّية في القطاع، جاء الدور على محمود عبّاس، الذي يكمن في حالة توّثب للقفز على توسيع سلطته لتشمل غزّة، فيردّد التحذير المصري نفسه مع اختلافاتٍ طفيفة في الصياغة: "نطالب حركة حماس بسرعة إنجاز صفقة الأسرى، لتجنيب شعبنا الفلسطيني ويلات وقوع كارثة أخرى لا تُحمد عقباها، ولا تقلّ خطورة عن نكبة عام 1948، ولتجنّب هجوم الاحتلال على مدينة رفح، الأمر الذي سيؤدّي إلى وقوع آلاف الضحايا والمعاناة والتشرّد لأبناء شعبنا". هكذا يقول عبّاس.


مسألة الربط بين بقاء المقاومة واستمرار عذابات الشعب الفلسطيني عملٌ غير أخلاقي أو إنساني بالمرّة، فضلًا عن أنّها بالتأكيد نقيصة وطنية تجعل من صاحبها بوقاً للدعاية الصهيونية التي تلقي بمنشوراتها مع القنابل الفتاكة على الشعب الفلسطيني في غزّة تحرّضه على مقاومته، وتقول له إذا أردت النجاة تخلّص من مقاومتك أو أبلغ عن أعضائها، ووقتها سوف تتمتّع بالحياة في كنف إسرائيل الطيّبة، تحت سلطةٍ أخرى تختارها تل أبيب، وتعينها لتدير شؤونك بالوكالة عنها.


هذا ما تريدُه واشنطن وتتبناه ما يمكن تسميتها "دول الطوق الجديدة" من الدول العربية التي لا تطوّق إسرائيل جغرافيًا كما كان في السابق، مصر والأردن وسورية ولبنان، بل محور عربي جديد يحاصر المقاومة الفلسطينية ويضيّق الخناق عليها حتى ترضخ وتفسح الطريق للشرق الأوسط الجديد، الذي يظل محور حركة الإدارة الأميركية طوال الوقت، منذ السبعينيات من القرن الماضي وحتى مرحلة جو بايدن الذي أعلنت إدارته عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة، مباشرًة، أنّها تنظر في مشروع كيان جديد في المنطقة يكون بديلًا لجامعة الدول العربية، يضم الدول العربية وإسرائيل، تحت المظلّة الأميركية، وهو المشروع المقدّم من كل من روبرت دانين، الباحث بمشروع مستقبل الدبلوماسية في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية، التابع لمدرسة كيندي في جامعة هارفارد، وأيضًا مسؤول سابق بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي.. وماهسا روهي الباحثة بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع القومي الأميركي.


باختصار، يؤمن العرب الرسميون بضرورة وإمكانية إنهاء وجود مقاومة فلسطينية، كما يؤمنون بيقين أشد بأنّه لا غنى عن وجود إسرائيل في المنطقة، واستحالة إنهاء وجودها، ولذا لديهم دائمًا أوراق ضغط يستخدمونها مع المقاومة، فيما يدّعون أمام الإرهاب الإسرائيلي المتعجرف أنّ لا حول لهم ولا قوة. والحال كذلك، أكرّر أنّه على الشعب الفلسطيني أن يسلك في هذه اللحظة البائسة وكأنّه في العام 1948 عقب النكبة الأولى، ويبدأ في صياغة مشروعه الجديد للتحرّر، مستبعدًا فرضية وجود نظام رسمي عربي يمكن أن يكون داعمًا لقضيته على أيّ وجه من الوجوه، فما نحن بصدده أكثر كارثية من كلّ النكبات السابقة.

lundi 1 janvier 2024

فلسطين والحكومات العربية.. حكاية خيانة لا تنتهي


 بقلم صلاح برهوم 19/2/2018


لا أدري لماذا نحن الفلسطينيين لا نتعلم من أخطائنا، ونستمر في ارتكاب الأخطاء نفسها، وبالطريقة نفسها، ونحصل على النتيجة ذاتها، وأعظم خطأ نرتكبه نحن الفلسطينيين وما زلنا نرتكبه إلى اليوم بإصرار عجيب وغريب بالرغم من المآسي الكبيرة التي عانيناها بسببه، هو اعتمادنا على الحكومات العربية طوال مراحل القضية الفلسطينية، وهو خطأ ما زلنا إلى اليوم نمارسه بكل أريحية، وكأننا لا نعرف مدى المشاكل والمآسي التي سنتعرض لها بالاعتماد على حكومات لا تعترف بالمبادئ أو القيم أو القضايا الوطنية، بل تعترف بشيء واحد الحفاظ على السلطة وكرسي العرش مهما كان السبيل إلى ذلك، حتى لو دمرت شعوبها وحرقت أوطانها في سبيل ذلك، فكيف نتطلع إليها في تحرير فلسطين ودحر اليهود من أرضنا.


لقد استمعنا إلى هذه الحكومات في كل مراحل القضية الفلسطينية فماذا كانت النتيجة؟ كارثة بكل المقاييس، ضاعت أرضنا، وشردنا في أصقاع الدنيا، وسقط منا الشهداء والجرحى، وفقدنا كل شيء، وأصبحنا مشتتين في كل أرجاء العالم، لا نستطيع العودة إلى وطننا أو البقاء في منافينا التي ترفض بكل قوة أن نبقى فيها.


لقد بدأت بوادر خيانة الحكومات العربية مبكرا جدا ولكن نحن تغاضينا عنها ودفنا رؤوسنا في الرمال، متجاهلين الحقيقة الواضحة أمام أعيننا، وكانت البادرة الأولى لهذه الخيانة قيام الحكومات العربية بإرسال برقيات إلى اللجنة العربية العليا التي كانت تدير الثورة الفلسطينية الكبرى عام1936 بإنهاء الإضراب الفلسطيني الذي استمر ستة أشهر رفضا للسياسات البريطانية، واستجاب الفلسطينيون لهذه البرقيات، وأنهوا الإضراب الأطول في التاريخ الحديث، فماذا حصل؟ أرسلت بريطانيا لجنة بيل الملكية التي أصدرت توصياتها بتقسيم فلسطين، مما أدى إلى اندلاع شرارة الثورة من جديد ورفضت هذه التوصيات، وكانت هذه النتيجة بسبب سماعنا للحكومات العربية.


خيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن

خيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن

لم نستوعب الدرس الذي تلقيناه في الثورة الكبرى عام 1936، واستمررنا في الاستماع إلى الحكومات العربية حتى جاءت لحظة الحقيقة في عام 1948، حيث كنا نأمل أن تنصرنا الجيوش العربية ويتمكنوا من دحر اليهود، ولكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما فالجيوش العربية وحكوماتها كانت تتحكم فيها القوى الاستعمارية ولم تقم بأي استعداد جدي لدخول الحرب ضد اليهود، كما لم تقدم أي دعم بالسلاح والذخيرة والأموال للفلسطينيين من التبرعات التي كانت تتلقاها الجامعة العربية، مما دفع الشهيد عبد القادر الحسيني إلى الصراخ في وجه أحد المسؤولين العرب "أنتم خائنون، سيكتب التاريخ أنكم أضعتم فلسطين"، وللأسف الشديد حصل كما قال الشهيد عبد القادر الحسيني الذي استشهد بعد يومين من كلامه هذا في معركة القسطل.


وعندما دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، قامت بسحب الأسلحة من الفلسطينيين في فعل عجيب غريب، في الوقت الذي كان يجب على هذه الجيوش أن تسلح الفلسطينيين من أجل الدفاع عن أراضيهم، وهكذا ضاعت فلسطين وانتهى أمرنا إلى الشتات والتيه في أصقاع الأرض، لتبدأ مأساتنا في مخيمات اللاجئين التي ما زلنا فيها إلى يومنا هذا. وخيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن التي أعدتها أميركا والتي تساعدها في تنفيذها العديد من الحكومات العربية، التي بدأت بوادرها بإعلان أميركا القدس عاصمة لإسرائيل.


لذا علينا نحن الفلسطينيين أن نحارب هذه الصفقة بكل ما أوتينا من قوة، ولا نستمع إلى كلام الحكام العرب الذين يدسون السم في العسل، فتاريخ خيانتهم لنا طويل جدا، وواجبنا يحتم علينا أن نفعل كل شيء من أجل ألا ينسى العالم قضيتنا حتى نحرر أرضنا ونعود إلى وطننا العزيز، وإن أول خطوات تحقيق هذا الأمر مسيرة العودة الكبرى التي ستضع العالم الحر أمام ضميره، إما بالوقوف مع المظلومين أو التماهي مع الظالمين، لذا يجب أن يكون الحشد على مستوى الحدث، فالأخطار التي تحيط بالقضية الفلسطينية كبيرة، وهي على مفترق طرق هام، فإما أن تبقى وإما أن تختفي ويختفي معها وجود الشعب الفلسطيني.


من مدونات الجزيرة