lundi 23 juin 2014

الاعتراف الفظيع لمسؤول جزائري : “نحن آخر الأقدام السوداء”

الاعتراف الفظيع لمسؤول جزائري : “نحن آخر الأقدام السوداء” « Nous sommes les derniers pieds-noirs »

في أكتوبر 2013, قام الصحفي نيكولا بو Nicolas Beau، رئيس تحرير الموقع الإخباري “موند آفكريك” Monde-afrique بنشر كتيب موثق حول التدخل العسكري الفرنسي في مالي أو التدخل الشهير بعملية سرفال serval, والتي انطلقت في شهر جانفي من نفس السنة بابا هولاند في مالي. وقائع فشل ذريع معلن. Papa Hollande au Mali : Chronique d’un fiasco annoncé ( دار نشر بالاندوالذي أثبت فيه أن العملية كانت مبرمجة منذ وقت طويل من طرف قادة الجيش الفرنسي.
هذا الكتاب يعج بالمعلومات التي تجاهلتها الصحافة الفرنسية : قراءة هذا الكتاب مهمة جدا بالنسبة لكل المهتمين بهذه المسألة الشائكة، وغزير بالمعلومات عن المصالح الاقتصادية غير المعلنة والتلاعبات المختلفة.

مسؤولون جزائريون مجرمون وفاسدون
من ذلك أن نيكولا بو يخوض في اللعب الجزائري المزدوج في منطقة الصحراء والساحل، فيشرح أنه منذ سنوات قام جنرالات مديرية الاستعلامات والأمن (مصلحة المخابرات التابعة للجيش) التي تحكم البلد بتسخير المجموعات الإسلامية المسلحة من أجل رسم مجالهم الحيوي أمام القوى الغربية وعلى الخصوص الولايات المتحدة وفرنسا. باختصار فإن قادة الدي أر أس ( مديرية الاستعلامات والأمن) قاموا بتشجيع عمليات العنف التي تقوم بها هذه الجماعات التي يتحكمون بها من أجل الظهور في أعين حلفائهم الغربيين كشركاء لا يمكن الاستغناء عنهم في مكافحة هذه الجماعات
وهم يزعمون أنهم الوحيدون القادرون على مكافحة الإرهاب في الصحراء والساحل بنجاعة، وهذا ما أكده العقيد علي بن قدة بوضوح في حوار أجراه معه نيكولا بو. وعلي بن قدة هو أحد الإطارات السامية في الدي ار اس ويدعى سماعين الصغير لأنه كان لسنوات أحد الرجال المخلصين للجنرال إسماعيل العماري المدعو سماعين : رئيس مصلحة مكافحة التجسس التابعة للدي ار اس من سنة 1990 إلى غاية وفاته سنة 2007 وأحد صانعي الحرب القذرة ضد الشعب الجزائري في التسعينات. تصريحات هذا الرجل النافذ والمتقاعد رسميا، التي أدلى بها للصحفي الفرنسي في الجزائر العاصمة بمناسبة انعقاد ندوة لشركة سوناطراك شارك فيها الرجلان، هي من الصراحة بحيث يقف المرأ متعجبا أمامها : (يجب أن تعلم أنه في مناطق واسعة من الساحل مثلما هو الحال في الجزائر، فإن المجتمعات “تمت أسلمتها”. نحن الجمهوريون والتقدميون، نعتبر تقريبا آخر الأقدام السوداء، باعتبارنا ندافع عن قيم مجتمعية هي الآن مرفوضة من الأغلبية. أصدقاؤنا الفرنسيون عليهم أن يتركونا نتحرك، لأننا نعرف كيف تشتغل الجماعات الإسلامية. (…) الفرنسيون يتصرفون بجنون حين يقررون التدخل في مالي. نشعر كأننا عدنا إلى سنة 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر. نحن نشهد الآن عودة الماضي الاستعماري الدفين.
يجب الذهاب باتجاه حل سياسي في مالي ويمكننا لعب دور أساسي لتمكين الأطراف المختلفة، الحكومة في باماكو والطوارق من الاتفاق.
الجمهوريون والتقدميون… هذا الادعاء الفارغ سيدفعنا إلى الابتسام إذا نسينا أن ال”نحن” يريد به المتحدث مجموعة من الضباط السامين الضالعين جميعهم، أو المشاركون في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سنوات التسعينات التي كان الجزائريون ضحيتها، وكان الاستيلاء على ثروة المحروقات هدفها. مجرمون وفاسدون لا يمتون طبعا بصلة إلى “الجمهوريين” ولا إلى “التقدميين”، كما ادعاه أيضا كثير من مرددي دعاياتهم في فرنسا، الذين يخدمون العلاقة التاريخية المشبوهة القائمة على الفساد، والتي تجمع بين النظام الجزائري ودوائر اقتصادية، إعلامية، وسياسية في فرنسا
و في المقابل فإن الاعتراف بالغ الأهمية، حين يرى “سماعين الصغير” نفسه ومن معه، آخر الأقدام السوداء، فالرجل هنا يقول الحقيقة، خاصة إذا علمنا أن مصطلح الأقدام السوداء كان يعني على الخصوص المعمرين الأكثر ثراء، فالجزائريون في معظمهم ينظرون إلى هؤلاء وحلفائهم الذين ازدادوا ثراء على حساب الشعب الذي يحتقرونه، كذلك فعلا.
ياسمينة مثلا، جزائرية تعيش في فرنسا، تشهد على ذلك سنة 2001 فقد كتبت بعد أن عادت من رحلة قادتها إلى الجزائر : ” في الجزائر العاصمة، لم يعد هناك أي وجود للطبقة المتوسطة. هناك فقط الأغنياء والفقراء. المجموعة الأولى : سيارات فارهة، فيلات مطلة على البحر، مطاعم وفنادق يعتبرون سادتها الذين لا ينازعهم فيها أحد. يعيشون في عالم آخر، هناك عالمان لا يشاهد أحدهما الآخر.. الأمر مدهش حقا. الأغنياء لا يتحدثون إلا الفرنسية.. يعيشون ويتكلمون تماما كما كان المعمرون الفرنسيون يفعلون قبل الاستقلال : أفراد الشعب، يطلق عليهم هؤلاء “البونيول” !
نفس الصدى نجده عند الصحفي سيد أحمد سميان حين تحدث عن نادي الصنوبر سنة 2005، هذه الإقامة الشاسعة الفائقة التأمين والواقعة على بعد 20 كيلومترا غرب الجزائر العاصمة، حيث تقطن طائفة كبيرة مما يسمى النخبة منذ سنة 1990 : “إنه حصن، قلعة منيعة تنقطع فيها “النومونكلاتورا”، وتبعد نفسها نهائيا عن حقيقة مجتمع تجهل عنه كل شيء. إنها أيضا الغرفة الأمامية للسلطة. ثكنة فاخرة ترسم فيها مخططات المعركة. الحجرة الخلفية للمؤامرات السياسية. دولة موازية. منطقة حرة. رمز لانحطاط الجزائر بعد الاستقلال. إمارة تحت حكم ذاتي. مستعمرة توسعية…
نادي الصنوبر هو في الأصل شاطئ جميل ووديع، محاط بغابة رائعة من الصنوبر البحري جعلت منه فرنسا مكانا لاستجمام الطبقة البورجوازية الاستعمارية. سمح نادي الصنوبر للمعمرين من الاستمتاع بمناخ جنوبي والاستلقاء تحت خيوط الشمس، دون الشعور بوجود شعب يحترق غضبا في الطرف الآخر، ودون أن يعرفوا أن هذا الاحتراق لم تكن الشمس سببه، بل احتقاره الكبير لهم. نصف قرن بعد ذلك، هجرت فرنسا المكان ولكن “معمرين” آخرين احتلوها، منذ الاستقلال. احتقار آخر بسط أجنحته وأعاد صنع نفس عجرفة من سبقوا في تقليد كاد يضاهي الأصل. ولم يغادر الغضب صدور السكان الأصليين “البونيول”( كما يسمي سكان إمارة نادي الصنوبر سكان الجزائر الحقيقية). فما زال هذا الغضب لم يفتر، بل إنه اليوم أقوى من أي وقت مضى.

نظام استعماري في نهاية عمره
غضب للأسف لا يجد من متنفس إلا القيام بأعمال شغب لا تصب في أي مجرى سياسي، من أجل السكن، العمل، ضد الحقرة (الظلم).. منذ سنة 2002 تنتشر مظاهر الشغب في كامل البلد، ومنذ 2010 أصبحت أشد عنفا وأكثر عددا، ترافقها أعمال تخريب للمؤسسات العمومية (المدارس، المستشفيات، أقسام الشرطة…) أو صدامات مسلحة بين عصابات متناحرة، تصل أحيانا إلى حد إراقة الدماء كما حدث في غرداية شهري ديسمبر 2013 وجانفي 2014 أو في قسنطينة وتيبازة في شهر جانفي الفارط.
وحدهما القمع وإعادة توزيع الريع من طرف “آخر الأقدام السوداء” الذين يسيرون الجزائر حاليا، هما من يمنعان هذه الفوضى الاجتماعية المذهلة من أن تتطور نحو صوملة البلد. لأن “النظام” هو حقا في آخر عمره : القادة العسكريون والمدنيون “الجانفيون نسبة إلى انقلاب شهر جانفي 1992) يموتون الواحد بعد الآخر في أسرهم. غير محاسبين على جرائمهم، ودون أن يستطيعوا تحقيق الاستقرار الدائم للنظام المافياوي القائم على الفساد والثراء الذي صنعوه منذ سنة 1980 لكي يستطيعوا توريث مقاليد الحكم لأبنائهم. (و بالمناسبة فإن عددا لا يستهان به من هؤلاء الأبناء اختاروا العيش بعيدا عن الجزائر لكي ينعموا في هدوء بالثروات الطائلة التي جمعها آباؤهم)
فالدولة الجزائرية لم تعد موجودة إلا كهيكل لإدارة لم تبق منها إلا الأطلال ولم تعد تحقق النفع المرجو من وجودها (إلا فيما يخص قوات القمع) والمسيرون لم يعودوا قادرين على تنظيم عملية ترميمية للواجهة الشبه ديمقراطية بتغيير رئيس “دمية” بقي في منصبه مدة 14 سنة. وهو منذ سنوات في حالة غيبوبة أو يكاد. ثلاثة أشهر قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 17 أفريل 2014، يجهل السكان الأصليون (الآنديجان) كل شيئ عن المترشحين لهذه الانتخابات التي ستكون مزورة لا محالة، على صورة (انتخابات ناجيلان) سنة 1948 وجل انتخابات الجزائر المستقلة التي كانت الانتخابات المذكورة مصدر إلهام لها.
ولكن، وفي التصريح المدهش لسماعين الصغير الذي أسر به إلى نيكولا بو، الشيء الأكثر دلالة هو حقا تأكيده الذي يعرفنا بالعقلية السائدة عند المقررين الحاليين والذين تعاقبوا على التواطؤ معهم منذ سنوات 1980، أنهم آخر الأقدام السوداء. مع هذا الشرح : (نحن ندافع عن قيم مجتمع لا تحظى برضا الأكثرية. أصدقاؤنا الفرنسيون عليهم أن يتركونا نتحرك، لأننا نعرف أكثر من غيرنا كيف يفكر الإسلاميون).
إنها فعلا المرة الأولى التي يتحدث فيها هكذا بكل صراحة - وليس في الخفاء كالعادة - شخص نافذ في هرم الدي ار اس لعب علاوة على ذلك، دورا هاما في القلب من شبكة الفساد الفرنسية الجزائرية، إلى صحفي فرنسي عن مشاعره ومشاعر أمثاله الفياضة نحو القوة الاستعمارية القديمة.

رسالة مزدوجة (مشفرة طبعا) إلى “أصدقائنا الفرنسيين”
الرسالة التي أراد إيصالها إلى باريس مزدوجة.
فمن جهة، هو يظهر لهم تذمر “المقررين” من عدم إشراكهم بما يكفي في المتابعة الدولية للأزمة في مالي، وكذلك بعض الانزعاج من عدم وجود قنوات كثيرة للاتصال من الجانب الفرنسي كما كان عليه الحال في سنوات (1980 إلى 1990) أجمل السنوات التي عرفتها الشراكة (الإيديولوجية، السياسية، المالية، والتعاون على الفساد) على أعلى مستويات ال”فرانس آلجيري”، وتشهد على ذلك أيضا اللهجة المعادية لفرنسا التي تجدها في بعض مواقع الإنترنت التي أنشئت حديثا والمعروفة بقربها من الدي ار اس.
و أكثر بنيوية، الرسالة الموجهة إلى “أصدقائنا الفرنسيين” من طرف قادة جهاز الدي ار اس، والتي تعني في جوهرها : ” نحن في خندق واحد معكم، خندق الرسالة الحضارية التي حملها الاستعمار الفرنسي، الرسالة التقدمية للمعمرين التي كنتم ولا زلتم تحملونها إلى بلدنا. بأشكال أخرى، ولكن بالنسبة للسكان الأصليين “آنديجان” اتركونا ندير شؤونهم، فنحن نحتل الموقع الأفضل ونعتبر أكثر كفاءة منكم في هذا الشأن”
هو خطاب موروث مباشرة من الخلفاء، والباشاغوات، والآغات، الذين كانوا يساعدون الضباط الفرنسيين ضمن “المكاتب العربية” والتي أنشئت مبكرا منذ 1844 وكان دورها حفظ النظام والإدارة في الجزائر الاستعمارية في القرن التاسع عشر والتي تطورت فيما بعد إلى أشكال أخرى حتى سنوات حرب التحرير.
هذا التجذر لميراث التعاون مع المحتل عميق جدا في طريقة عمل الكثير من المسؤولين في الجزائر المستقلة، خاصة بعد وفاة هواري بومدين سنة 1978. ويشهد على ذلك، من بين تصريحات عديدة تشبهه، تصريح سيد أحمد غزالي، مهندس سابق، تكون في المدرسة الوطنية للجسور والطرق في باريس، ورئيس سوناطراك من 66 إلى 77، ثم وزير في قطاعات عديدة، وأخيرا رئيس حكومة (جوان 1991 - جويلية 1992) : “لم أنتم أبدا إلى النظام. أنا وآخرون لم نأخذ أبدا أي قرار. أقول اليوم، أننا كنا نوعا ما “حركيو النظام”. خدمناه بنية صادقة، لأننا كنا نظن أنفسنا في خدمة الدولة، في خدمة دولة معينة. لم نفهم أننا لم نكن سوى أدواته. النظام إذن ليس هو ما نرى وما نعتقد أننا نعرف عنه. إنه يوظف الجميع، وقد وظفنا نحن أيضا”.
هذا النقذ اللاذع يحمل في طياته كذب ادعاء العفة التي يحاول صاحب التصريح أن يضفيها على نفسه. ولا فائدة من الوقوف مطولا عند التنازلات المقدمة لقادة الدي ار اس مثلما فعل ويفعل كثير من التقنوقراط أمثاله. لكن ما يهمنا هنا هو الوصف الذي أطلقه على نفسه “حركي النظام” فغزالي هنا يؤكد تطابق نظام الجنرالات مع نظام “الحكام العامين” الفرنسيين أثناء الفترة الاستعمارية.
في ظل هذا الوضع، فإن ظهور الاعترافات غير المتحفظة ل”سماعين الصغير” حتى لو أراد أن يظهر بصورة الشاجب (بكثير من النفاق) لعودة الكبت الاستعماري، وهي عبارة ساهمت في انتشارها وسائل الإعلام الجزائرية (التابعة للدي ار اس) تظهر كما لو كانت إنذارا خافتا : فرنسا الرئيس “الاشتراكي الديمقراطي” فرانسوا هولاند، الوارث الحزين لسابقه غي مولي (1905 - 1975) أحد أكثر المدافعين عن الجزائر الفرنسية، لم يقطع بعد صلته بتاريخ يسمم بنفس الدرجة المجتمعين الفرنسي والجزائري، كما أظهر ذلك المؤرخ الفرنسي بنيامين سطورا سنة 1991 والذي أصبح منذ ذلك الوقت مستشارا لهذا الرئيس الجبان والانتهازي للشؤون الجزائرية (مستشار بارد، أو مستشار لا يستمع إليه؟)


المصدر الأصلي Francois Geze




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire