عبد
الرحمن بن عبد الله السحيم
عبارة
قرأتها كثيرا في أكثر من منتدى ، وفي أكثر
من توقيع ، ومرّت بي العِبَارة كثيرا !
إلاّ
أنها استوقفتني مَرّة مِن الْمَرّات ،
فوقفتُ مُتأمِّلاً في قولهم :
لا
تَقُل :
يا
رب عندي هَـمّ كبير ، ولكن قُل :
يا
هـمّ عندي ربّ كبير !
فتذّكَرتُ
شَكوى نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام
، حينما بَثّ حُزنه وشكواه إلى الله ،
فقال :
( إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
) .
قال
ابن كثير في تفسير الآية :
(إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي)
أي :
هَمِّي
وما أنا فيه (إِلَى
اللَّهِ)
وَحْدَه
. اهـ
.
وقال
ابن عادل الحنبلي :
والبَثُّ
:
أشَدُّ
الحزن ، كأنَّه لِقُوّته لا يُطاق حَمْله
. اهـ
.
وقال
القاسمي :
أي :
لا
أشكو إلى أحدٍ منكم ومِن غيركم ، إنما
أشكو إلى ربي داعيًا له ، وملتجئا إليه ،
فَخَلّوني وشِكايتي .
( وَأَعْلَمُ
مِنَ اللّهِ )
أي :
لمن
شكا إليه من إزالة الشكوى ، ومَزِيد الرحمة
: (
مَا
لاَ تَعْلَمُونَ )
ما
يُوجب حُسن الظن به ، وهو مع ظنّ عَبْدِه
بِه .
اهـ
.
ووقفتُ
مع شكوى الْمُجادِلَة ..
(قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ
فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)
وفي
بعض الآثار :
" قالت
: أشكو
إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفِراق
زوجي "
.
فالْهَمّ
العظيم لا يُشكَى إلاّ إلى الله ؛ لأنه
لا يَكشفه إلاّ الله .
فَشَكوى
الْهَـمّ إلى الله مشروعة ، بل هي مطلوبة
شرعا ..
واشتُهِر
عن عليّ رضي الله عنه قوله :
أشكو
إلى الله عُجَري وبُجَري .
قال
الأصمعي :
يعني
همومي وأحزاني .
قال
أبو إسحاق الشيرازي :
لبِستُ
ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا ***
وَقمت
أشكوا إلى مولاي ما أجـدُ
وقُلتُ
يا أمَلـي فـي كـلِّ نائبـة ***
ومَن
عليه لكشف الضُّـرِّ أعتمد
أشكو
إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا ***
ما
لي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ
وقد
مدَدْتُ يدِي بالـذُّلِّ مبتهـلاً ***
إليك
يا خير من مُـدَّتْ إليـه يـدُ
فـلا
ترُدَّنهـا يـا ربِّ خائـبـةً ***
فبَحْرُ
جودِكَ يروي كل مـنْ يَـرِد
ولا
يعني هذا أن لا يُشكَى إلى غير الله ؛ لأن
في الشكوى تخفيفا وتسلية ..
"
وهذا
ما لم يكن الـتَّشَكِّي على سَبيل
الـتَّسَخُّط ، والصبر والتجلّد في
النوائب أحسن ، والتعفف عن المسألة أفضل
، وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى
زوال البلوى "
كما
قال القرطبي .
وربما
شَكَا الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما
يَجِدون ..
قَال
خَبَّاب بْن الأرَتّ رضي الله عنه :
شَكَوْنَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ
بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ..
رواه
البخاري .
وقال
رضي الله عنه :
شَكونا
إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة
في الرمضاء فَلَم يُشْكِنا .
رواه
مسلم .
وفي
المسْنَد :
قال
الزبير بن عدي :
شَكونا
إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج !
فقال
:
اصبروا
فإنه لا يأتي عليكم عام ء أو يوم ء إلاّ
الذي بعده شرّ منه ، حتى تلقوا ربكم عز
وجل .
سمعته
من نبيكم صلى الله عليه وسلم .
قال
أبو طلحة رضي الله عنه :
شَكونا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع
..
رواه
الترمذي .
وقال
الحارث بن يزيد البكري :
خرجتُ
أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ..
رواه
الإمام أحمد .
وفي
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو
جارَه ...
رواه
أبو داود .
وعند
البخاري من حديث عَدِيّ بْن حَاتِمٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال :
كُنْتُ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلانِ
؛ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَة ،
وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ
...
والعَيْلة
: هي
الفَقْر .
قال
القرطبي في تفسيره :
فأما
الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السَّفَه ،
إلاَّ أن يكون على وَجه البثّ والـتَّسَلِّي
. اهـ
.
وعلى
كُلّ فإن قولهم :
" لا
تَقُل :
يا
رب عندي هَـمّ كبير ، ولكن قُل :
يا
هـمّ عندي ربّ كبير "
، وإن
كان ما قَصَدُوه وَاضِحًا ، إلاّ أنّ
قولهم :
" لا
تَقُل :
يا
رب عندي هَـمّ كبير "
،
مُتضمّن لِعدم شكوى الْهَمّ إلى الله ..
وهذا
خِلاف المشروع من شكوى الْهَمّ إلى الله
الذي بِيدِه مفاتيح الفَرَج ..
وأنشد
بعضهم :
إذا
الحادثات بَلَغْنَ الْمَدَى ***
وكادت
تَذوب لَهُنّ الْمَهْج
وحَلّ
البلاء وقَلّ العَزاء ***
فعند
التناهي يكون الفَرَج
رمضان
1429
هـ
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire