jeudi 12 juillet 2012

الإسلام في التبت : تاريخ واضطهاد


الإسلام في التبت : تاريخ واضطهاد
تقع هضبة التبت في منطقة منعزلة ترتفع عن سطح البحر بحوالي 4 آلاف متر، كما أن بها من الجبال ما يصل ارتفاعه إلى حوالي 7 آلاف و8 آلاف متر لهذا يطلق المتخصصون وعلماء الجغرافيا عليها تعبير "سقف العالم". تحدُّها الصين من الشرق، والتركستان الشرقية من الشمال، وكشمير من الغرب، والهند من الجنوب. أمَّا مساحة التبت فإنها تبلغ مليون و221 ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة، منهم ربع مليون مسلم، وعاصمة التبت تُسمَّى "لاسا". ظلَّ الغموض يحيط بالتبت فترة طويلة من الزمن؛ بسبب ظروفها الطبيعية وتعقيد تضاريسها ووعورة مسالكها وكونها منطقة معزولة عن العالم الخارجي؛ لذا أطلق عليها بعض الجغرافيين الأوربيين قلب آسيا الميت
ولعل المرء قد يتعجب من أن هناك حياة إنسانيَّة في تلك الأصقاع، بالنظر إلى الظروف المناخيَّة والجغرافيَّة فيها، إذ تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات قياسيَّة فيما تكسو الثلوج قمم الجبال التي ينخفض فيها منسوب الأوكسجين كثيرًا، إلا أن هذا العجب سيقفز إلى ذروته عندما يعلم أن في تلك المناطق مسلمين، بل يتعرضون للاضطهاد أيضًا، شأنهم في ذلك شأن إخوانهم في كثير من أنحاء العالم!! فكيف بدأت قصة المسلمين في تلك البلاد؟ وما سر تعرضهم للاضطهاد؟
كيف وصل الإسلام إلى التبت؟
كانت التبت معروفة بين الدول الإسلامية منذ القديم فقد ذكرها المؤرخون والجغرافيون العرب مثل اليعقوبي والطبري وابن خلدون في كتبهم فاليعقوبي يسرد التبت في كتابه (كتاب البلدان) : أما التبت فبلد أوسع وأعظم من الصين ومملكتهم جليلة وهم أصحاب منعة وحكمة يضاهون صنعة الصين، وشوكتهم شديدة فليس يجاريهم أحد
عندما انطلق المسلمون في فتوحاتهم في بلاد الصين حتى وصلوا إلى منطقة كاشجر على يد الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي في عام 94 هـ، بدأ المسلمون في التعامل التجاري مع أهالي تلك المناطق، فدخل الكثير منهم في الإسلام، ومن بينهم أناس في إقليم التِّبِت. وبلغ من تعلق أهل التِّبِت المسلمين بدينهم الجديد أن طلبوا من الجراح بن عبد الله والي خراسان في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أن يرسل إليهم من يعلمهم دينهم الجديد، فكان أن أرسل إليهم سليط بن عبد الله الحنفي على أرجح الأقوال
إلا أن دخول الإسلام في بلاد التِّبِت لم يكتسب قوة إلا في القرن العاشر الهجري، عندما دخلت الهند في دين الله تعالى، فبدأ القادة المسلمون ينطلقون بفتوحاتهم نحو التِّبِت، فكانت أولى المواجهات في عهد الأمير سعيد خان على يد القائد مير مزيد وذلك في عام 930 هـ، وهي المواجهة التي تكررت بعد 25 عامًا، عندما قام ملك كشمير حيدر مرزا في عام 955 هـ بغزو جديد لبلاد التِّبِت. وفي أثناء هذه المحاولات العسكريَّة، كانت الدعوة الإسلاميَّة نشطة للغاية من خلال التجار والدعاة المسلمين الذين توغلوا في تلك المنطقة واستوطنوها، حتى تكونت عشيرة للمسلمين تعرف باسم "الأرجونيون" وهم المولودون لآباء من المسلمين تجارًا ودعاة وأمهات من التِّبِت أسلمن وتزوجن من المسلمين، وظل الحال هكذا حتى صار الإسلام في التِّبِت قوة كبيرة لدرجة أن المنطقة نفسها صارت نقطة ارتكاز لانتشار الإسلام في المناطق المجاورة في الصين
استقرار المسلمين في التِّبِت
سارت الأيام بالمسلمين في التِّبِت نحو الاستقرار، وراحت التجارة تنتقل بين بلدة لداخ، التي يكثر فيها المسلمون هي وبلدة بلتستان لحكم مجاورتهما إقليم كشمير الواقع غرب إقليم التِّبِت، وبين لاسا عاصمة الإقليم. ولما نشبت الحرب بين حاكمي لداخ والتِّبِت في القرن الـ17 الميلادي، لعب المسلمون دورًا كبيرًا في تنفيذ اتفاق الصلح، الذي تم توقيعه بين الطرفين، بالنظر إلى أنه كان هناك شقًا تجاريًا في الاتفاق بين الطرفين المتنازعين، وكانت التجارة هي عصب نشاط المسلمين الاقتصادي في ذلك الوقت، إلى جانب الزراعة والفلاحة
ومن المؤشرات القويَّة على أن المسلمين استقر بهم المقام في التِّبِت طويلاً دون أدنى مضايقة أنهم حصلوا في ذلك القرن الـ17 على جنسيَّة التِّبِت وصارت لهم مساجد ومقابر. بل إن مسلمي التِّبِت استقبلوا المسلمين النازحين من نيبال بعدما أجلاهم عنها الحاكم بيريتوي نارايان، الذي استولى على نيبال في عام 1769م
ويمكن الإشارة إلى أن بعض الأعراق التي تشكل المسلمين في التِّبِت ومن بينها الهوي، وهم المسلمون ذوو الأصول الصينيَّة، وقد استقروا في البلدات الشرقيَّة من إقليم أمدو، وكانوا يتاجرون بين الصين والتِّبِت في الحرير والخزف الصيني. وهناك مسلمو الهوبالنجا، والذين ترجع أصول تسميتهم إلى مكان تجمعوا فيه في العاصمة التِّبِتيَّة لاسا، بعد أن قدموا من بلدة سيلينج في إقليم أمدو
الاحتلال الشيوعي واضطهاد المسلمين
وعندما استولى الشيوعيون على حكم الصين ضموا التبت إليهم، وقد كان للمسلمين في التبت دور وطني عظيم في مقاومة الاحتلال الصيني سنة 1924م، ولكن الصين كانت تتصف بالقوة العاتية في مواجهة العدد القليل، والأسلحة الضعيفة لأهل التبت؛ فمات الآلاف من المسلمين نتيجة بطش الشيوعيين الصينيين. وكان أول شيء فعله الصينيون إبَّان فترة الحكم الشيوعي السابق، هو سلب المسلمين حريتهم في ممارسة عقيدتهم الدينية، وسلبهم جميع الامتيازات والتسهيلات التجارية الحرة؛ فأغلقت مؤسساتهم مثل المدارس والمساجد، ولم يُسمح لهم حتى بأبسط الحقوق كدفن الموتى وفقًا للشريعة الإسلامية، وفُرض عليهم حظر السفر في البلاد، وتم تجميد ما امتلكوه من سلع، واستمر موقف الصين من المسلمين في التبت عدائيًّا، كما اشترطت السلطات الصينية على المسلمين التبت أن يتخلّوا عن ممتلكاتهم الشخصية مقابل الهجرة إلى أية بلاد إسلامية. كما فرضت عليهم قيودًا ومقاطعات جماعية، إلى جانب منع الناس من بيع أي شيءٍ للمسلمين، فلاقى الكثير منهم حتفهم، كهولاً كانوا أو أطفالاً بسبب المجاعة
وتشير المصادر إلى أن الكثير من القادة المسلمين التِّبِتيين تعرضوا للاعتقال على يد القوات الصينيَّة، استنادًا إلى اتهامات مختلفة ومن بينها الاتصال بالزعماء التِّبِتيين، أو تعليق ملصقات معارضة للوجود الصيني في الإقليم. ولعل تلك الاعتقالات ترجع إلى أن السلطات الصينيَّة تريد أن تحارب أيَّة نزعة في الإقليم يمكن أن يظهر منها ما يشير إلى عدم صينيَّة التِّبِت، سواء كانت تلك النزعة ممثلة في الزعماء التِّبِتيين البوذيين الذين يعتنقون مذهبًا غير المذهب البوذي الشائع في الصين، أو المسلمين الذين يعتنقون دينا آخر غير البوذيَّة، من الأصل. إلا أن الانتهاكات التي تعرض لها المسلمون في التِّبِت لم تقف عند حد الإساءات والجرائم التي ارتكبت بحقهم على يد الحكومة الصينيَّة، ولكن المسلمين تعرضوا أيضًا للعديد من الانتهاكات على يد البوذيين المتعصبين من التِّبِت، وذلك في أثناء المظاهرات التي عمت إقليم التِّبِت للمطالبة بالاستقلال عن الصين. وتشير المصادر إلى أن خسائر المسلمين خلال تلك الاضطرابات تمثلت في إحراق المسجد الكبير في العاصمة لاسا، إلى جانب تدمير عشرات المدارس والمنازل والسيارات، بخسائر قدرت بملايين الدولارات الأمريكيَّة
وفي أواخر 1959م استطاع مئات من المسلمين الهجرة إلى الهند في بلدانها الحدودية مثل: "دار جلينغ" و"كاليم بونغ" و"نمانتوغ"، ومنها صاروا يتجهون إلى كشمير بين الفترة من 1961م إلى 1964م. واستطاعوا فيما بعد أن يكوِّنوا جمعية لرعاية مسلمي التبت المهاجرين، والتي تكوَّنت بالفعل بمساعدة العالم الإسلامي، وتم بناء 144 مسكنًا ومسجدًا واحدًا تم الانتهاء منه عام 1985م، وهذه المساكن لم تكفِ حاجة المسلمين
آمال وتحديات
تشهد التبت صحوة إسلامية قوية إلى حد إعلان أكثر من 200 ألف شخص إسلامهم بعد العثور على وثائق تاريخية تشير إلى أصولهم العربية. لكن التحدي الشيوعي وإهمال المسلمين لقضية التبت لمدة طويلة أدى إلى جهل سكان هذا البلد بالدين. إن أهل التبت لا يزالون متطلعين إلى دعم وتأييد المجتمع العالمي ولاسيما مساعدة إخوانهم في الدين. متطلباتهم تتمثل في الحاجة إلى الدعاة وإصلاح التعليم وتوفير الكتب الإسلامية


المصادر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire