jeudi 18 avril 2013

حقيقة الدولة الفاطمية ونهايتها

حقيقة الدولة الفاطمية ونهايتها
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية، الجزء السادس عشر ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة. فيها كانت وفاة العاضد صاحب مصر
في أول جمعة منها ، أمر صلاح الدين بإقامة الخطبة لبني العباس بمصر ، وفي الجمعة الثانية بالقاهرة ، وكان ذلك يوما مشهودا ، ولما انتهى الخبر إلى الملك نور الدين بالشام ، أرسل إلى الخليفة يعلمه بذلك مع ابن أبي عصرون شهاب الدين أبي المعالي المطهر ، فزينت بغداد وغلقت الأسواق وعملت القباب وفرح المسلمون فرحا شديدا ، وكانت الخطبة قد قطعت من ديار مصر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في خلافة المطيع العباسي حين تغلب الفاطميون عليها أيام المعز الفاطمي باني القاهرة ، وذلك مائتا سنة وثمان سنين ، قال ابن الجوزي : وقد ألفت في ذلك كتابا سميته النصر على مصر

موت العاضد آخر خلفاء العبيديين
والعاضد في اللغة القاطع ( لا يعضد شجرها ) لا يقطع وبه قطعت دولتهم واسمه عبد الله ويكنى بأبي محمد بن يوسف الحافظ بن محمد بن المستنصر بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي أول ملوكهم . كان مولد العاضد في سنة ست وأربعين ، فعاش إحدى وعشرين سنة ، وكانت سيرته مذمومة ، وكان شيعيا خبيثا ، لو أمكنه قتل كل من قدر عليه من أهل السنة . واتفق أنه لما استقر أمر الملك صلاح الدين رسم بالخطبة لبني العباس عن مرسوم الملك نور الدين له بذلك لمعاتبة الخليفة المستنجد إياه قبل وفاته ، وكان المستنجد إذ ذاك مدنفا مريضا ، فلما مات تولى بعده ولده فكانت الخطبة بمصر له . ثم إن العاضد مرض فكانت وفاته في يوم عاشوراء فحضر الملك صلاح الدين جنازته ، وشهد عزاءه ، وبكى عليه وتأسف وظهر منه حزن ، وقد كان مطيعا له فيما يأمره به ، وكان العاضد كريما جوادا ممدحا سامحه الله تعالى ، ولما مات استحوذ صلاح الدين على القصر بما فيه وأخرج منه أهل العاضد إلى دار أفردها لهم وأجرى عليهم الأرزاق والنفقات الهنية والعيشة الرضية ؛ عوضا عما فاتهم من الخلافة ، وكان يتندم على إقامة الخطبة لبني العباس بمصر قبل وفاته ، ولكن كان ذلك قدرا مقدورا وفي الكتاب مسطورا ، ومما نظمه العماد في ذلك :

توفي العاضد الدعي فما يفتح ذو بدعة بمصر فما
وعصر فرعونها انقضى وغدا يوسفها في الأمور محتكما
وانطفأت جمرة الغواة وقد باح من الشرك كل ما اضطرما
وصار شمل الصلاح ملتئما بها وعقد السداد منتظما
لما غدا معلنا شعار بني العباس حقا والباطل اكتتما
وبات داعي التوحيد منتصرا ومن دعاة الإشراك منتقما
وظل أهل الضلال في ظلل داجية من غيابة وعمى
وارتبك الجاهلون في ظلم لما أضاءت منابر العلما
وعاد بالمستضيء ممتهدا بناء حق قد كان منهدما
واعتلت الدولة التي اضطهدت وانتصر الدين بعدما اهتضما
واهتز عطف الإسلام من جذل وافتر ثغر الإسلام وابتسما
واستبشرت أوجه الهدى فرحا فليقرع الكفر سنه ندما
عاد حريم الأعداء منتهك ال حمى وفيء الطغاة مقتسما
قصور أهل القصور أخربها عامر بيت من الكمال سما
أزعج بعد السكون ساكنها ومات ذلا وأنفه رغما

وقد كانت مدة ملك الفاطميين مائتين وثمانين سنة وكسرا ، فصاروا كأمس الذاهب وكأن لم يغنوا فيها ، وكان أول من ملك منهم المهدي ، وكان من سلمية حدادا اسمه سعيد ، وكان يهوديا فدخل بلاد المغرب وتسمى بعبيد الله ، وادعى أنه شريف علوي فاطمي ، وقال : إنه المهدي ، وقد ذكر هذا غير واحد من سادات العلماء الكبراء كالقاضي أبي بكر الباقلاني والشيخ أبي حامد الإسفراييني وغير واحد من سادات الأئمة ، والمقصود أن هذا الدعي الكذاب راج له ما افتراه في تلك البلاد ، ووازره جماعة من جهلة العباد ، وصارت له دولة وصولة ، ثم تمكن إلى أن بنى مدينة سماها المهدية نسبة إليه ، وصار ملكا مطاعا ، يظهر الرفض وينطوي على الكفر المحض

ثم كان من بعده ابنه محمد ، ثم المنصور المعز وهو أول من دخل ديار مصر منهم وبنيت له القاهرة ، ثم العزيز ثم الحاكم ثم الظاهر ثم المستنصر ثم المستعلي ثم الآمر ثم الحافظ ثم الظافر ثم الفائز ثم العاضد ، وهو آخرهم ، فجملتهم أربعة عشر ملكا ، ومدتهم مائتان ونيف وثمانون سنة. وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء ، وأكثرهم مالا وكانوا من أعتى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم ، وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ؛ ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات ، وكثر أهل الفساد ، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد ، وكثر بأرض الشام النصيرية والدرزية والحشيشية ، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بكماله ؛ حتى أخذوا القدس ونابلس وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعثليث وصيدا وبيروت وعكا وصفد وطرابلس وأنطاكية وجميع ما والى ذلك إلى بلاد آياس وسيس ، واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين وبلاد شتى غير ذلك ، وقتلوا خلقا لا يعلمهم إلا الله ، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان ما لا يحد ولا يوصف ، وكادوا أن يتغلبوا على دمشق ولكن صانها الله بعنايته وسلمها برعايته ، وحين زالت أيامهم وانتقض إبرامهم أعاد الله هذه البلاد كلها إلى أهلها من السادة المسلمين ، ورد الله الكفرة خائبين ، وأركسهم بما كسبوا في الدنيا ويوم الدين ، وقد قال الشاعر المعروف المدعو بعرقلة

أصبح الملك بعد آل علي مشرقا بالملوك من آل شاذي
وغدا الشرق يحسد الغرب للقو م فمصر تزهو على بغداذ
ما حووها إلا بحزم وعزم وصليل الفولاذ في الفولاذ
لا كفرعون والعزيز ومن كان بها كالخطيب والأستاذ

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله يعني بالأستاذ : كافور الإخشيدي ، وقوله : آل علي يعني الفاطميين ولم يكونوا فاطميين ؛ وإنما كانوا أدعياء ينسبون إلى عبيد ، وكان اسمه سعيدا ، وكان يهوديا حدادا بسلمية ، ثم ذكر ما ذكرناه من كلام الأئمة فيهم وطعنهم في نسبهم ، قال : وقد استقصيت الكلام في ذلك في مختصر تاريخ دمشق في ترجمة عبد الرحيم بن إلياس ، ثم ذكر في الروضتين في هذا الموضع أشياء كثيرة من قبائحهم ، وما كانوا يجهرون به في بعض الأحيان من الكفريات والمصائب المعظمات ، لعنهم الله ، وقد ذكرت أنا أشياء كثيرة في غبون ما مشقته من سيرتهم في السنين المتقدمة مما يسد الأسماع وينفر الطباع ، قال أبو شامة : وقد أفردت كتابا سميته كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد ، وكذا صنف العلماء في الرد عليهم كتبا كثيرة ، من أجل ما وضع في ذلك : كتاب القاضي أبي بكر الباقلاني الذي سماه كشف الأسرار وهتك الأستار

وما أحسن ما قاله بعض الشعراء في بني أيوب يمدحهم على ما فعلوه بديار مصر :

ألستم مزيلي دولة الكفر من بني عبيد بمصر إن هذا هو الفضل
زنادقة شيعية باطنية مجوس وما في الصالحين لهم أصل
يسرون كفرا يظهرون تشيعا ليستتروا شيئا وعمهم الجهل


باختصار من كتاب البداية والنهاية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire