vendredi 19 avril 2013

بلغوا عني ولو آية

الدعوة إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اختار الله هذه الأمة، وجعل منها أمة الدعوة إلى الله. قال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110) سورة آل عمران
هذا وقد قضى رسولنا صلى الله عليه وسلم عمره داعيا إلى الله منذ أن أوحى الله إليه : يا أيها المدثر (1) قم فأنذر (2) سورة المدثر. وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، صارت الدعوة إلى الله واجبا على كل مسلم. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري والترمذي

قال الإمام ابن حجر في الفتح : قوله : ( بلغوا عني ولو آية ) قال المعافى النهرواني في " كتاب الجليس " له الآية في اللغة تطلق على ثلاثة معان : العلامة الفاصلة ، والأعجوبة الحاصلة ، والبلية النازلة . فمن الأول قوله تعالى : آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا. ومن الثاني : إن في ذلك لآية. ومن الثالث جعل الأمير فلانا اليوم آية . ويجمع بين هذه المعاني الثلاثة أنه قيل لها آية لدلالتها وفصلها وإبانتها . وقال في الحديث " ولو آية " أي واحدة ليسارع كل سامع إلى تبليغ ما وقع له من الآي ولو قل ليتصل بذلك نقل جميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم . اهـ كلامه .

قوله : ( وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم
وقال مالك المراد : جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن ، أما ما علم كذبه فلا
وقال الشافعي : من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب ، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه ، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم وهو نظير قوله : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم
وقال ابن تيمية : كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد فإنها على ثلاثة أقسام
أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح
والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه
والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت ؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى : { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا } . فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا . فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته ؛ إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فيقال في مثل هذا : { قل ربي أعلم بعدتهم } فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه ؛ فلهذا قال : { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا } أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب
تعريف الإسرائيليات : الإسرائيليات هي مجموعة من القصص والتفسيرات لقصص وأحكام القرآن الكريم ، وأبطالها شخصيات من العهد القديم ورد ذكرهم في القرآن، وسبب تسميتها بذلك وإن كان هذا الاسم يدل بظاهره على اللون اليهودي : إما نظراً إلى الأصل لأن أصل النصارى راجع إلى بني إسرائيل ، وإما للتغليب فإن أكثر الأخبار منقول عن اليهود. وقد دخل الكثير من الإسرائيليات إلى كتب التفسير الإسلامية عن طريق اليهود الذين اعتنقوا الإسلام في مرحلة مبكرة مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه ، ولكن بعد فترة لم يَعُد اليهود الذين أسلموا وحدهم مصدر الإسرائيليات فكثير من المفسرين المسلمين كانوا يعودون بأنفسهم إلى الكتب الدينية اليهودية لتفسـير القصص. وكتب التفسير من عهد ابن جرير إلى اليوم لا يكاد يخلو تفسير منها من إسرائيليات إلا أنها متفاوتة قلة وكثرة
أورد ابن خلدون في مقدمته أسباب الاستكثار من المرويات الإسرائيلية فقال : وقد جمع المتقدمون في ذلك يعني التفسير النقلي وأوعوا، إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين، والمقبول والمردود ؛ والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنها أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى

قوله : ( ومن كذب علي متعمدا ) اتفق العلماء على تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه من الكبائر ، حتى بالغ الشيخ أبو محمد الجويني فحكم بكفر من وقع منه ذلك ، وكلام القاضي أبي بكر بن العربي يميل إليه. وجهل من قال من الكرامية وبعض المتزهدة إن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يجوز فيما يتعلق بتقوية أمر الدين وطريقة أهل السنة والترغيب والترهيب ، واعتلوا بأن الوعيد ورد في حق من كذب عليه لا في الكذب له ، وهو اعتلال باطل ؛ لأن المراد بالوعيد من نقل عنه الكذب سواء كان له أو عليه ، والدين بحمد الله كامل غير محتاج إلى تقويته بالكذب . قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. وقد أنشأ السلف الصالح عليهم رحمة الله علما مستقلا بذاته يسمى مصطلح الحديث وعلم الرجال أو الجرح والتعديل، لكي تصفّى السنة النبوية من إفك الكذابين واختراعاتهم

المصادر
وانظر أيضا


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire