vendredi 10 mai 2013

بلاد الشام أرض النبوات


بسم الله الرحمن الرحيم

الشام بلاد النبوات. فإليه كان مهاجر إبراهيم ولوط عليهما السلام. وبها نشأ إسحاق ويعقوب ويوسف عليهم صلوات الله وسلامه. وفيها آتى الله الملك لداود وسليمان عليهما السلام. وبها ولد عيسى عليه السلام وإليها ينزل قبل قيام الساعة. وإليها أسري برسولنا صلى الله عليه وسلم

مهاجر إبراهيم ولوط عليهما السلام
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ. يريد نجينا إبراهيم ولوطا إلى أرض الشام وكانا بالعراق. وكان - عليه السلام - عمه ؛ قاله ابن عباس. وقيل لها : مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها ؛ ولأنها معادن الأنبياء. والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبرح. وقال ابن عباس : الأرض المباركة مكة. وقيل : بيت المقدس ؛ لأن منها بعث الله أكثر الأنبياء، وهي أيضا كثيرة الخصب والنمو، عذبة الماء، ومنها يتفرق في الأرض. قال أبو العالية : ليس ماء عذب إلا يهبط من السماء إلى الصخرة التي ببيت المقدس، ثم يتفرق في الأرض
ثم قال القرطبي : قوله تعالى : وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً. أي زيادة ؛ لأنه دعا في إسحاق وزيد في يعقوب من غير دعاء فكان ذلك نافلة ؛ أي زيادة على ما سأل ؛ إذ قال : رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. ويقال لولد الولد نافلة ؛ لأنه زيادة على الولد. وكلا جعلنا صالحين. أي وكلا من إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعلناه صالحا عاملا بطاعة الله
يقول أيوب خميس أسعد في تاريخ فلسطين قبل الإسلام : وعاش إسحاق في أرض فلسطين ورزقه الله سبحانه يعقوب عليه السلام "إسرائيل" والذي يعتبره اليهود أباهم، وكان إسحاق ويعقوب منارات للهدى بعد إبراهيم عليه السلام، وانظر إلى البيان القرآني في إيجازه وروعته {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين}. ولد يعقوب عليه السلام في القرن 18 ق.م (حوالي 1750ق.م) في فلسطين، غير أنه هاجر على ما يظهر إلى حران "الرها" وهناك تزوج له أحد عشر ابناً منهم يوسف عليه السلام بينما ولد ابنه الثاني عشر بنيامين في أرض كنعان "فلسطين" وقد رجع يعقوب عليه السلام وأبناؤه إلى فلسطين وسكن عند "سعيّر" قرب الخليل، وقصته وقصة ابنه يوسف مشهورة ومفصلة في سورة يوسف من القرآن الكريم

داود وسليمان عليهما السلام
قال الإمام الطبري : القول في تأويل قوله تعالى : وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81). يقول تعالى ذكره (و) سخرنا (لسليمان) بن داود (الريح عاصفة) وعصوفها : شدة هبوبها. (تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها) يقول : تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها، يعني : إلى الشام. وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله بالشام ، فلذلك قيل : إلى الأرض التي باركنا فيها

مولد عيسى عليه السلام
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا. أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ؛ قال ابن عباس : إلى أقصى الوادي، وهو وادي بيت لحم بينه وبين إيلياء أربعة أميال ؛ وإنما بعدت فرارا من تعيير قومها إياها بالولادة من غير زوج

رفع عيسى عليه السلام
قال الإمام ابن كثير في قوله تعالى : وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158). وكان من خبر اليهود - عليهم لعائن الله وسخطه وغضبه وعقابه - أنه لما بعث الله عيسى ابن مريم بالبينات والهدى، حسدوه على ما آتاه الله من النبوة والمعجزات الباهرات، التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصور من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه بإذن الله عز وجل إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها وأجراها على يديه. ومع هذا كذبوه وخالفوه، وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام لا يساكنهم في بلدة، بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام ثم لم يقنعهم ذلك حتى سعوا إلى ملك دمشق في ذلك الزمان - وكان رجلا مشركا من عبدة الكواكب، وكان يقال لأهل ملته : اليونان - وأنهوا إليه : أن ببيت المقدس رجلا يفتن الناس ويضلهم ويفسد على الملك رعاياه. فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالقدس أن يحتاط على هذا المذكور، وأن يصلبه ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه على الناس. فلما وصل الكتاب امتثل متولي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى عليه السلام وهو في جماعة من أصحابه، اثنا عشر أو ثلاثة عشر - وقيل : سبعة عشر نفرا - وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحصروه هنالك. فلما أحس بهم وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه عليهم قال لأصحابه : أيكم يلقى عليه شبهي، وهو رفيقي في الجنة؟ فانتدب لذلك شاب منهم، فكأنه استصغره عن ذلك، فأعادها ثانية وثالثة وكل ذلك لا ينتدب إلا ذلك الشاب - فقال : أنت هو - وألقى الله عليه شبه عيسى، حتى كأنه هو، وفتحت روزنة من سقف البيت، وأخذت عيسى عليه السلام سنة من النوم فرفع إلى السماء وهو كذلك، كما قال الله تعالى : إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا. الآية آل عمران : 55. فلما رفع خرج أولئك النفر فلما رأى أولئك ذلك الشاب ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل وصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه، فأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم، ما عدا من كان في البيت مع المسيح، فإنهم شاهدوا رفعه، وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم
ثم قال - ابن كثير - قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج على أصحابه - وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين - يعني : فخرج عليهم من عين في البيت، ورأسه يقطر ماء، فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة، بعد أن آمن بي. ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي، فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنا. فقال له : اجلس. ثم أعاد عليهم فقام ذلك الشاب، فقال : اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال : أنا. فقال : أنت هو ذاك. فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء. قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه، ثم صلبوه وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة، بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرق، فقالت طائفة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وهؤلاء اليعقوبية، وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء، ثم رفعه الله إليه. وهؤلاء النسطورية، وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء، ثم رفعه الله إليه. وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة، فقتلوها. فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، ورواه النسائي عن أبي كريب، عن أبي معاوية بنحوه وكذا ذكر غير واحد من السلف

نزول عيسى عليه السلام
في الحديث الطويل الذي رواه مسلم في قصة المسيح الدجال، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ." أي يقتل عيسى عليه السلام المسيحَ الدجالَ. قال الإمام النووي : باب لد هو بضم اللام وتشديد الدال مصروف، وهو بلدة قريبة من بيت المقدس
قال الحافظ المقريزي في كتابه "درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة" : أخبرني الحافظ شيخ السنة عمادُ الدين أبو بكر بن أبي المجد الحنبلي رحمه الله قال : أخبرني عمادُ الدين بن كثير قال : سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : (لينزلنّ عيسى ابن مريم على هذه المنارة)، ويشير إلى منارة جامع بني أمية الشرقية، وتكون يومئذٍ بيضاء. قال : وكانت حينئذٍ غير بيضاء فاحترقت بعد موت الشيخ، وأُعِيدَت وبيّضت. قال المقريزي : وهي باقية إلى اليوم لم تحترق عند حريق الجامع في نوبة الطاغية تيمورلنك في سنة ثلاث وثمان مئة عند دخوله دمشق وتحريقها
معنى مَهرودَتَينِ : قال في النهاية : في حديث عيسى عليه السلام إنه ينزل بين مهرودتين أي في شقتين أو حلتين ، وقيل الثوب المهرود الثوب الذي يصبغ بالورس ثم بالزعفران فيجيء لونه مثل لون زهرة الحوذانة

قصة الإسراء والمعراج
يقول تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1). يقول الإمام ابن كثير : يمجد تعالى نفسه ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ؛ فلا إله غيره (الذي أسرى بعبده) يعني محمدا صلوات الله وسلامه عليه (ليلا) أي في جنح الليل (من المسجد الحرام) وهو مسجد مكة (إلى المسجد الأقصى) وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل ؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلهم، فأمهم في محلتهم ودارهم. فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وقوله : (الذي باركنا حوله) أي : في الزروع والثمار. (لنريه) أي : محمدا (من آياتنا) أي : العظام كما قال تعالى : لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ

والله أعلم

المصادر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire