mercredi 29 mai 2013

احذروا منافقا عليم اللسانِ


بسم الله الرحمن الرحيم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أمَّتي كلَّ منافقٍ عليمُ اللسانِ. حديث صحيح، انظر الدرر السنية.
قال المناوي : "قوله : ((عليم اللسان)) أي : كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل، اتخذ العلم حرفة يتأكّل بها، ذا هيبة وأُبّهة، يتعزّز ويتعاظم بها، يدعو الناس إلى الله، ويفرّ هو منه، ويستقبح عيبَ غيره، ويفعل ما هو أقبح منه، ويظهر للناس التنسّكَ والتعبّد، ويسارر ربّه بالعظائم، إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب، فهذا هو الذي حذّر منه الشارع صلى الله عليه وسلم هنا حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه، ويحرقك بنار عصيانه، ويقتلك بنتن باطنه وجنانه".
فمهما بلغ علم هذا المنافق فلا يستطيع أن ينال فقها في علمه بل أحاجي يلبس بها على الناس، ومهما جمل ظاهره فلن ترى بهاء التدين في وجهه وهو السمت الحسن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خصلتانِ لا تجتمعانِ في منافقٍ : حسنُ سمتٍ، و لا فقهٌ في الدِّينِ. قال الألباني : صحيح بمجموع طرقه. المصدر: السلسلة الصحيحة الصفحة أو الرقم: 278.
وقد وصف الله تعالى المنافقين بقوله : وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) سورة المنافقون.
ذكر الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) أي : كانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة ، إذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن ؛ ولهذا قال : (يحسبون كل صيحة عليهم) أي : كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم، كما قال تعالى : (أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا) [ الأحزاب : 19 ] فهم جهامات وصور بلا معاني. ولهذا قال : (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) أي : كيف يصرفون عن الهدى إلى الضلال.
وقال الإمام القرطبي : قوله تعالى : وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم : أي هيئاتهم ومناظرهم. وإن يقولوا تسمع لقولهم : يعني عبد الله بن أبي. قال ابن عباس : كان عبد الله بن أبي وسيما جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته. وصفه الله بتمام الصورة وحسن الإبانة. وقال الكلبي : المراد ابن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قشير، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة. وفي صحيح مسلم : وقوله كأنهم خشب مسندة، قال : كانوا رجالا أجمل شيء كأنهم خشب مسندة، شبههم بخشب مسندة إلى الحائط لا يسمعون ولا يعقلون، أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام. وقيل : شبههم بالخشب التي قد تآكلت فهي مسندة بغيرها لا يعلم ما في بطنها.
ثم وصفهم الله بقوله : هم العدو فاحذرهم حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم. وفي قوله تعالى : فاحذرهم وجهان :
أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم.
الثاني : فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك.
قاتلهم الله : أي لعنهم الله قاله ابن عباس وأبو مالك. وهي كلمة ذم وتوبيخ. وقيل : معنى قاتلهم الله أي أحلهم محل من قاتله عدو قاهر ؛ لأن الله تعالى قاهر لكل معاند.
أنى يؤفكون : أي يكذبون ؛ قاله ابن عباس. قتادة : معناه يعدلون عن الحق. الحسن : معناه يصرفون عن الرشد. وقيل : معناه كيف تضل عقولهم عن هذا مع وضوح الدلائل ؛ وهو من الإفك وهو الصرف. وأنى بمعنى كيف.
وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74).
قال الإمام القرطبي : فيه ست مسائل، وذكر منها :
الأولى : قوله تعالى : يحلفون بالله ما قالوا. روي أن هذه الآية نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت ؛ وقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : والله لئن كان محمد صادقا على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير، فقال له عامر بن قيس : أجل والله إن محمدا لصادق مصدق ؛ وإنك لشر من حمار. وأخبر عامر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء الجلاس فحلف بالله عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم إن عامرا لكاذب. وحلف عامر لقد قال، وقال : اللهم أنزل على نبيك الصادق شيئا، فنزلت. فهم الجلاس بقتله لئلا يخبر بخبره ؛ ففيه نزل : وهموا بما لم ينالوا. قال مجاهد : وكان الجلاس لما قال له صاحبه إني سأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولك هم بقتله ثم لم يفعل عجز عن ذلك. قال ذلك هي الإشارة بقوله : وهموا بما لم ينالوا. وقيل : إنها نزلت في عبد الله بن أبي، رأى رجلا من غفار يتقاتل مع رجل من جهينة، وكانت جهينة حلفاء الأنصار فعلا الغفاري الجهني. فقال ابن أبي : يا بني الأوس والخزرج، انصروا أخاكم فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فجاءه عبد الله بن أبي فحلف أنه لم يقله ؛ قاله قتادة. وقول ثالث أنه قول جميع المنافقين ؛ قاله الحسن ابن العربي : وهو الصحيح ؛ لعموم القول ووجود المعنى فيه وفيهم، وجملة ذلك اعتقادهم فيه أنه ليس بنبي.
الثانية : قوله تعالى : ولقد قالوا كلمة الكفر. قال النقاش : تكذيبهم بما وعد الله من الفتح. وقيل : كلمة الكفر قول الجلاس : إن كان ما جاء به محمد حقا لنحن أشر من الحمير. وقول عبد الله بن أبي : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال القشيري : كلمة الكفر سب النبي صلى الله عليه وسلم والطعن في الإسلام.
مما تقدم يتبين لنا خطر المنافق العليم اللسان :
  • فتجد أحدهم يلوي معاني النصوص ليا كي يصل إلى مآربه الخسيسة. قال تعالى : وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) سورة آل عمران. وهذه الآية نزلت في اليهود عليهم لعائن الله، أن منهم فريقا يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون كلام الله، ويزيلونه عن المراد به ليوهموا الجهلة أنه في كتاب الله كذلك وينسبونه إلى الله، وهو كذب على الله، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله، ولهذا قال : (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون). روى البخاري عن ابن عباس : أنهم يحرفون ويزيدون وليس أحد من خلق الله يزيل لفظ كتاب من كتب الله، لكنهم يحرفونه : يتأولونه على غير تأويله. ولا شك أن هؤلاء المنافقين نحوا نحو الكفرة من أهل الكتاب.
  • وتجد الآخر يطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة البحث العلمي والنقد البناء. وإن من خداع هؤلاء المنافقين أنهم يبدؤون بمقدمات صحيحة، مثل قولهم : الصحابة لم يكونوا على مستوى واحد من الإيمان وهم ليسوا معصومين. وهذا كله صحيح ولكن غرض ذلك الأفاك هو التنقيص من شأنهم. ولكي لا يفتضح أمره، فإنه لا يهاجمهم بالجملة ولكن يأخذ كل واحد منهم على حدة ؛ ويعيد الكرة... إن غرض هؤلاء ليس البحث العلمي أو إعمال الفكر. إنهم يريدون نقض الإسلام من أساسه ولكنهم لا يجرؤون على الجهر بذلك، فيسلكون تلك السبل الملتوية كما هو شأن كل المنافقين.
  • ومنهم من يطعن في أئمة العلم من سادات الأُمّة ويتغنى بالقول : هم رجال ونحن رجال. هذه الكلمة مأثورة عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله. قال أبو محمد بنُ حزم : ((هذا أبو حنيفة يقول : ما جاءَ عن اللهِ تعالى فعلى الرأسِ والعينين، وما جاءَ عن رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلم فسمعاً وطاعةً، وما جاءَ عن الصحابةِ رضي الله عنهم تخيرنا من أقوالهم، ولم نخرجْ عنهم، وما جاءَ عن التابعين فهُمْ رجالٌ ونحنُ رجالٌ)). إذنْ قائلُ هذه الكلمة السائرة الإمامُ المشهورُ: أبو حنيفةَ النعمانُ بنُ ثابت فقيهُ العِراق، رأى أنس بنَ مَالك ، وسمع عطاء بن أبي رباح، ونافعاً مولى ابن عمر، وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم، وعُرِفَ أنَّ المقصود بقوله "هم رجال" أقرانه ونظراؤه من التابعين. نعم إذا قال "هم رجال ونحن رجال" من كان في منزلة أبي حنيفة في نظرائه من أهل العلم فحُقَّ له ذلك، لأنَّ قول بعضهم ليس حجةً على بعض. إنَّ هذه الكلمة أصبحتْ مطية يركبُها مَنْ يريدُ أنْ يردَّ أقوالَ الأئمة المتقدمين، والسلفِ الصادقين بلا حُجةٍ ولا بُرهان، ومَنْ يريدُ أن يمرر آراءه الشاذة، وأقوالَه الضعيفة، واختياراتِه الغريبة ، ومَنْ يريدُ أنْ يُظهِر نفسهُ على حساب أئمة العلم والدين. نعم "هُمْ رجالٌ ونحنُ رجال" في أصلِ الخِلْقةِ والصفاتِ المشتركة من سمعٍ وبصرٍ وجوارح، ولكنَّ الله حباهم بفضله ومنته وحكمته غزارةً في العلم، وإخلاصاً في العمل، وصِدْقاً في الدعوة، وصبراً عِند الأذى والبلاء. قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية : ((ومَنْ آتاه اللهُ علماً وإيماناً عَلِمَ أنّه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلا ما هُو دونَ تحقيقِ السلفِ لا في العلم ولا في العمل)). ما أجمل وأبلغ هذه العبارة من هذا الإمام الخبير!
كلمة أخيرة... في ما يجوز من الغيبة
روى البخاري في كتاب الأدب : باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب. عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت : استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة فلما دخل ألان له الكلام قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام قال أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه. قال العلماء : تباح الغيبة في كل غرض صحيح شرعا حيث يتعين طريقا إلى الوصول إليه بها : كالتظلم، والاستعانة على تغيير المنكر، والاستفتاء، والمحاكمة، والتحذير من الشر، ويدخل فيه تجريح الرواة والشهود، وإعلام من له ولاية عامة بسيرة من هو تحت يده، وجواب الاستشارة في نكاح أو عقد من العقود، وكذا من رأى متفقها يتردد إلى مبتدع أو فاسق ويخاف عليه الاقتداء به. وممن تجوز غيبتهم من يتجاهر بالفسق أو الظلم أو البدعة.
وقد جمع ذلك بعض العلماء في بيتين من الشعر :
القدح ليـس بغيبة في ستة *** متــظلم ومعرِّف ومحذر
ومجاهر فسقاً ومستفت ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر
وبعد
في صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال : إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. فلا يجوز للمرء أن يقلد في دينه المبتدعة وأهل الأهواء، ففي سنن الدارمي عن أسماء بن عبيد قال : دخل رجلان من أصحاب الأهواء على ابن سيرين فقالا : يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال : لا، قالا : فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال : لا، لتقومان عني أو لأقومن. قال : فخرجا، فقال بعض القوم : يا أبا بكر، وما كان عليك أن يقرآ عليك آية من كتاب الله تعالى؟! قال : إني خشيت أن يقرآ علي آية فيحرفانها فيقر ذلك في قلبك. ونختم بقوله تعالى : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) سورة الأنعام.
والله أعلم.
المصادر :
تفسير ابن كثير المنافقون آل عمران
تفسير القرطبي المنافقون براءة
حكم سب الصحابة من أقوال الأئمة : ابن حجر الهيثمي، ابن تيمية وابن عابدين
صيد الفوائد : علي بن عبد الله الصياح

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire