vendredi 3 mai 2013

نعيب زماننا والعيب فينا


بسم الله الرحمن الرحيم
يعلم كل من اطلع على التاريخ الإسلامي أن هذا الدين انتشر سريعا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. فأبو بكر الصديق رضي الله عنه حارب المرتدين، ثم انطلقت جيوش المجاهدين ناشرة للنور في الشام والعراق. وفي سنة 28هـ، في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، كون معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أول أسطول بحري وفتح الله قبرص. فماذا وقع إثر ذلك؟
قال الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : لما فتحت قبرص فرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت : يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، فقال : ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى

ننتقل بحضراتكم قرونا أخرى في التاريخ

ولد محمد بن أبي بكر الدمشقي، شمس الدين، المعروف بابن قيم الجوزية، في دمشق سنة (691هـ)، وتتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه، وسجن معه في قلعة دمشق، وأطلق بعد موت ابن تيمية، وكان حسن الخلق محبوبًا عند الناس، وألف تصانيف كثيرة، وتوفي سنة (751هـ). عاش هذا العالم الجليل في القرن الثامن إذن. فلننظر ما يقول في كتابه الفوائد
لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكراً، فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم
فإذا رأت دولة هذه الأمور قد أقبلت، وراياتها قد نصبت، وجيوشها قد ركبت، فبطن الأرض والله خير من ظهرها، وقلل الجبال خير من السهول، ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس‏
اقشعرت الأرض وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات وهُزلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه، فاعزلوا عن طريق السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق، وبالرهن وقد غلق، وبالجناح وقد علق ‏{وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} ‏الآية‏:‏ 227 من سورة الشعراء‏

قلت : في عصر ابن قيم الجوزية ابتعد الناس عن الكتاب والسنة وكثرت البدع فتفرق شمل الأمة وهان المسلمون على أعدائهم. أما في زماننا هذا فإننا لما أقصينا تحكيم الشريعة في حياتنا فإنا لا زلنا نذوق الويلات الواحدة بعد الأخرى. انظر إلى حالنا البائس، جعلنا كتاب الله وراء ظهورنا، وصدق فينا القول : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) سورة مريم
ونرى ما نبه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعا حيا مُعاشا : يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. رواه ابن ماجه وهو صحيح إن شاء الله. انظر الدرر السنية
فمصائبنا نتيجة لذنوبنا٬ كما قال تعالى : أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) سورة آل عمران. مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) سورة النساء
ومن الطامات التي وقعنا فيها : النظر إلى عيوب الآخرين ونسيان عيوبنا وأخطائنا٬ فكثر فينا صب اللوم على الآخرين - وهذا لا يعني الدعوة للامتناع عن النهي عن المنكر -. قال السخاوي : وقد روينا عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله أنه قال : أدركت بهذه البلدة - يعني المدينة - أقواماً لم تكن لهم عيوب، فعابوا الناس ؛ فصارت لهم عيوب، وأدركت بها أقواماً كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس ؛ فنُسيت عيوبهم. الضوء اللامع

فائدة جليلة
في الحديث : ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه. و"الشح" هو شدة الحرص التي توجب البخل والظلم وهو منع الخير وكراهته و"الهوى المتبع" في إرادة الشر ومحبته و"الإعجاب بالرأي" في العقل والعلم فذكر فساد القوى الثلاث التي هي العلم والحب والبغض. وبإزائها الثلاث المنجيات : خشية الله في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى وكلمة الحق في الغضب والرضا. وهي التي سألها في الحديث الآخر : اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى. فخشية الله بإزاء اتباع الهوى فإن الخشية تمنع ذلك كما قال تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. والقصد في الفقر والغنى بإزاء الشح المطاع وكلمة الحق في الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه. من مجموع فتاوى ابن تيمية بتصرف يسير
قلت : وقد ورد حديث من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ثلاثٌ مُهلِكاتٌ، وثلاثٌ مُنجِياتٌ، وثلاثٌ كفَّارَاتٌ، وثلاثٌ دَرَجاتٌ. فأمّا المهلِكاتُ : فشُحٌّ مُطاعٌ، وهَوًى مُتَّبَعٌ، وإِعجابُ المرْءِ بنفْسِهِ. وأمّا المنْجياتُ : فالعدْلُ في الغضَبِ والرِّضا، والقصْدُ في الفقْرِ والغِنى، وخشيةُ اللهِ تعالَى في السِّرِّ والعلانيةِ. وأمّا الكفَّاراتُ : فانْتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ، وإسْباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ، ونقلُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ. وأمّا الدَّرجاتُ : فإطْعامُ الطعامِ، وإفْشاءُ السلامِ، والصلاةُ بالليلِ والناسُ نِيامٌ. حسنه الألباني في صحيح الجامع
وقال السائب بن مالك : صلَّى بنا عمَّارُ بنُ ياسرٍ صلاةً ، فأوجزَ فيها ، فقالَ لَهُ بعضُ القومِ : لقد خفَّفتَ أو أوجزتَ الصَّلاة! فقالَ أمَّا على ذلِكَ فقد دعوتُ فيها بدعواتٍ سمعتُهنَّ من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم فلمَّا قامَ تبعَهُ رجلٌ منَ القومِ هوَ أبي غيرَ أنَّهُ كنى عن نفسِهِ فسألَهُ عنِ الدُّعاءِ ثمَّ جاءَ فأخبرَ بِهِ القومَ : اللَّهمَّ بعلمِكَ الغيبَ وقدرتِكَ على الخلقِ أحيِني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي وتوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خيرًا لي وأسألُكَ خَشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ وأسألُكَ كلمةَ الحقِّ في الرِّضا والغضَبِ وأسألُكَ القصدَ في الفقرِ والغنى وأسألُكَ نعيمًا لاَ ينفدُ وأسألُكَ قرَّةَ عينٍ لاَ تنقطعُ وأسألُكَ الرِّضاءَ بعدَ القضاءِ وأسألُكَ بَردَ العيشِ بعدَ الموتِ وأسألُكَ لذَّةَ النَّظرِ إلى وجْهكَ والشَّوقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضرَّاءَ مضرَّةٍ ولاَ فتنةٍ مضلَّةٍ اللَّهمَّ زيِّنَّا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مُهتدينَ. صححه الألباني في صحيح النسائي

اقرأ


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire